الكلبيّ عن ابن عباس وهم نحو من أربعمائة رجل لم يكن لهم مساكن بالمدينة ، ولا عشائر يأوون إليهم ، فجعلوا أنفسهم في المسجد ، وقالوا : نخرج في كلّ سريّة يبعثها رسول الله فحثّ الله الناس عليهم ، فكان الرجل إذا كان عنده فضل أتاهم به ، إذا أمسى.
وفي الكشاف إنّهم من مهاجري قريش ، وكانوا في صفّة المسجد وهي سقيفة يتعلّمون القرآن بالليل ويرضخون النوى بالنهار ، وكانوا يخرجون في كلّ سريّة يبعثها رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وعن ابن عباس (١) وقف رسول الله صلىاللهعليهوآله يوما على أصحاب الصفّة فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم ، فقال : أبشروا يا أصحاب الصفّة ، فمن بقي من أمّتي على النعت الذي أنتم عليه راضيا بما فيه ، فإنّه من رفقائي.
وفيه من الحثّ والترغيب للفقراء على الاتّصاف بصفاتهم على ما تضمّنه كالآية على ما تضمّنت من الاشتغال بالعبادة ، وحبس النفس في سبيل الله والصبر على الفقر ، وترك السؤال والرضا به ما لا يخفى ، فان الحكم غير مختصّ بهؤلاء كما يفهم من الخبر ، وسياق الآية ، وذكر العلماء إيّاها في باب الزكاة.
على أنه مع حصول الحالات ينبغي عدم الفرق عقلا ، وحينئذ فلا كراهية في ترك الكسب وحبس النفس على العبادة ، سيّما تحصيل العلوم الدينيّة ونشرها ، فإنّه كالجهاد أو أعظم على ما قالوا ، ودلّ عليه بعض الروايات ، والقناعة بما حصل من الزكاة وغيرها من الصدقات ، بل يكون أفضل وأحبّ إلّا أن يكون صاحب عيلة ولم يحصل منها ما يصلح أن يقنع به فليتأمل وكذا ترغيب الأغنياء في الإنفاق على أمثالهم كما لا يخفى.
ثمّ رغب في الإنفاق وحثّ عليه حتى بجميع الأموال بقوله (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) هما اسمان وضعا موضع المصدر على الحال ، أي
__________________
(١) رواه في كنز العرفان ج ١ ص ٢٤٣ ومسالك الافهام ج ٢ ص ٥١ وأخرجه في ـ كنز العمال ج ٦ ص ٢٦١ بالرقم ١٩٩٧ عن الخطيب عن ابن عباس وقريب منه في تفسير الإمام الرازي ج ٧ ص ٨٥ الطبعة الأخيرة.