على الايمان ومقتضاه ، ببذل المال الذي هو شقيق الروح وبذله أشق شيء على النفس ، فمن بذل ماله لوجه الله فإنه قد ثبتها في الجملة على ما أشرنا إليه سابقا فكأنه قد ثبت بعض نفسه ومن بذل ماله وروحه فقد ثبتها كلّها ، كما قال (وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) وفيه التنبيه المتقدّم أيضا.
والمعنى ومثل نفقة هؤلاء في زكاتها عند الله (كَمَثَلِ جَنَّةٍ) بستان (بِرَبْوَةٍ) مثلّث الراء وقرئت إلّا أنّ الكسر غير متواتر أي بمكان مرتفع فان الشجر حينئذ أحسن نبتا ومنظرا وأكثر ريعا وأزكى ثمرا (أَصابَها وابِلٌ) مطر عظيم القطر (فَآتَتْ أُكُلَها) أي ما يؤكل منها يعني ثمرتها (ضِعْفَيْنِ) مثلي ما كانت تثمر أو مثلي ما إذا لم يكن بربوة وقيل مثلي ما إذا كانت متسفّلة ، وقيل أربعة أمثاله ، ونصبه على الحال أي مضاعفا واحتمل أن يكون المراد تؤتي أكلها مرّتين في سنة كما قال سبحانه (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) أي كلّ ستّة أشهر كما روي عن الصادق عليهالسلام (١).
(فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ) فمطر صغير القطر أي فيصيبها أو فالذي يصيبها طلّ أو فطلّ يكفيها لكرم منبتها وبرودة هوائها لارتفاع مكانها ، فتؤتى أكلها ضعفين أيضا وهو على ظاهر القول بمثلي ما كانت تثمر غير واضح.
أو فلا تنقص من ثمرها شيء ، وإن لم تأت ضعفين ، فكذلك نفقات هؤلاء زاكية عند الله يضاعف ثوابها دائما أو لا يضيع ولا ينقص بحال ، وإن تفاوتت باعتبار ما ينضمّ إليها من الخصوصيات ويجوز أن يكون التمثيل لحالهم عند الله بالجنّة على الربوة ونفقاتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطلّ.
في الكشّاف : فكما أنّ كلّ واحد من المطرين تضعف أكل الجنة ، فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة ، بعد أن يطلب بها وجه الله ويبذل فيها الوسع زاكية عند الله زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عنده.
وقد فسّر ضعفين بمثلي ما كانت تثمر وفي الجمع بينهما ظاهرا نظر ، إلّا أن يراد إذا كانت في غير ربوة ولا يبعد أن يكون في اعتبار الضعف هنا إشارة إلى مضاعفة السبعمائة
__________________
(١) المجمع ج ١ ص ٣٧٨.