لا يقبل عبادة إلّا من المتّقين فيها ، بأن يأتي بها على وجه لا يكون عصيانا ، مثل أن يقصد بها الرياء أو غير ذلك من المبطلات ، أو المراد تقوى عن ذنب ينافي تلك العبادة ، فتكون إشارة إلى أنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه ، فهو موجب للفساد ، فلا يلزم الاشتراط عدم كونها معصية ، أو عدم استلزامها للمعصية ، والله أعلم.
ثمّ اعلم أنه إذا كان المراد بدين القيّمة الملّة المستقيمة أي شريعة الإسلام كما تقدّم ، يجب أن يكون ذلك إشارة إمّا إلى الدين الكائن أوامره ، أو عبادته على الوجه المخصوص المفهوم التزاما وإمّا إلى الأوامر المخصوصة ، أو العبادة المخصوصة أو إلى كون الأوامر على الوجه المخصوص أو العبادة كذلك ، ومعلوم أنّ شيئا من ذلك ليس عين شريعة الإسلام فإن شريعة الإسلام أوامر ونواه وغيرهما ، وكذلك عبادة وغيرها ، فلا بدّ من ارتكاب مجاز في الإسناد ، أو في ظرف أو تقدير مضاف ونحوها.
وحينئذ فلا يرد ما قيل من أنّ ظاهره دخول الأعمال خصوصا إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في الإسلام ، وهو مذهب الخوارج ، فان من أخلّ بالعمل فاسق عند الكلّ ، وكافر عند الخوارج ، وخارج عن الايمان غير داخل في الكفر عند المعتزلة ، لاعتبارهم الأعمال في الايمان فبعض كلّا ، وبعض الفرائض ، وبعض مجرّد الكبائر.
فمنهم من استدلّ بذلك كالخوارج بأنّ الايمان إن كان هو الإسلام ، فظاهر وإلّا فكلّ ما يعتبر في الإسلام يعتبر في الايمان ، ولا يرد حينئذ هذا أيضا مع ما فيه كما لا يخفى.
الواقعة (إِنَّهُ) أي المتلوّ (لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) صفة قرآن ، أي حسن مرضىّ أو عزيز مكرّم ، أو كثير النفع (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) مصون عن الباطل ، أو مستور عن الخلق في لوحه المحفوظ ، ومتعلّق الجارّ إما صفة بعد اخرى لقرآن أو خبر بعد خبر ، وكذلك (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) لأنّه لو كان صفة لكتاب كان كالتأكيد والبيان لمكنون ، والتأسيس التام أتمّ وأولى ، ولأنّ السياق لإظهار شرف القرآن وفضله ، وينبّه عليه قوله (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أى القرآن أو المتلوّ ، لا الكتاب الذي هو اللوح المحفوظ ، ولا الذي فيه.