للعبادة فعبدتك (١)».
ولا يخفى أنّ الفعل لا تقع هكذا إلّا باعتبار قصده كذلك ، وهو النيّة الّتي يستدلّ الأصحاب بالآية عليها ، والإخلاص هو المراد بالقربة الّتي يذكرونها في النيّات لتلازمهما في العبادة الصحيحة ، وترتّبها عليه ، ولاعتبار صفة القربة في الآيات والروايات كثيرا.
إذا تقرّر ذلك ، فلا تصحّ مع قصد الرياء أو التبرّد أو إزالة الكسل أو الوسخ أو نحوها ، لكونه منافيا للإخلاص فيكون مفسدا لها ، وتصحّ مع رجاء الفوز بالجنّة ، والخلود فيها ، والخلاص من النار والأمن منها بالامتثال بها ، فان هذا غير مناف بل مؤيّد ومؤكّد إلّا لنادر ، ولذلك تضمّن بعض الآيات والأخبار الأمر به ، والمدح عليه فافهم.
ثم لا يخفى أنّ قوله (حُنَفاءَ) ظاهره على ما تقدّم عدم صحّة عبادة الفاسق سيّما مع إصراره على الكبائر لأنّه غير مستقيم على طرق الحقّ والصواب ، وغير مائل إليه عن الاعتقادات الزائفة والطرق الباطلة ، اللهم إلّا أن يراد بهم المائلون إلى الإسلام عن الأديان كلّها ، كما في اللباب (٢) أو المتّبعون لملّة إبراهيم عليهالسلام ، وقيل حنفاء أي حجّاجا وإنما قدّمه على الصلاة والزكاة لأنّ فيه صلاة ، وإنفاق مال ، وهو غير مناسب كما لا يخفى.
وكظاهر هذه الآية قوله تعالى في نبأ ابني آدم (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) فان ظاهر إطلاقه كما قاله القاضي أنّ الطاعة لا تقبل إلّا من مؤمن متّق ، وفيه : إلّا على قول من يقول بأن فاعل الكبيرة غير مؤمن ، على أنّ فيه ما فيه من الإشكال فإنّ الفقهاء لم يذكروا ذلك ، بل ظاهرهم أنّ الفسق لا يمنع من صحة العبادة إذا فعلها على وجهها.
فلعلّ المراد أنّ الله لا يقبل القربان بإرسال نار تأكلها إلّا من المتّقين أو أنه
__________________
(١) انظر تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ٢٣٥.
(٢) تفسير الخازن ج ٤ ص ٣٩٩ سورة الواقعة ويؤيد ذلك ما روى عن الصادقين.