بالصلاة والزكاة (وَذلِكَ) أي عبادة الله على الوجه المذكور ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة دين الملّة القيّمة ، أي عبادة الملّة المستقيمة الحقّة ، وهي شريعة نبينا عليهالسلام الآن.
أو المراد بالدين الملّة كما في قراءة : «وذلك الدين القيمة» (١) فتكون من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ، وتأنيث القيّمة إما للردّ إلى الملّة أو الهاء للمبالغة (٢) وهذه الإضافة قد جوّزها الكوفيّون (٣) ومن لم يجوّز فإنّما لم يجوّز مع إفادة الصفة لا مطلقا ، وهو مصرّح ، ولهذا يجوز الإضافة البيانيّة بالاتفاق ، أو صفة للكتب الّتي جرى ذكرها كذلك أى ذلك ملّة الكتب القيّمة أو ملّة أصحابها كما قيل فتأمل.
وعلى الوجهين يمكن أن يراد به العبادة كما لا يخفى ، بل في القراءة أيضا.
[وقد يتأمّل في دلالة الآية على اعتبار الإخلاص في العبادة لاحتمال أن يراد بإخلاص الدين له اختيار دين الإسلام مثلا خالصا لله ، وفيه أنه خلاف أقوال العلماء لم ينقل من أحدهم ذلك ، وأيضا الأظهر في إخلاص الدين لله أن يوقع الأعمال الدينية خالصا لله ، ولم سلّم فحنفاء ، فيه ما يكفي في هذا المعنى كما قدّمنا].
وبالجملة لا ريب في دلالة الآية على اعتبار الإخلاص في العبادة ، وأشراطه فيها ، ولو من قوله (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) ولعلّ إخلاصها هو أن توقعها لله وحده ، فلا ترجو بها إلّا من عنده ، وإن كان الكمال التام أن يكون معرفتك بجلال ربّك وكرمه واعتقادك بفيّاض فيض جوده وفضله ، فوق أن ترجو ما عنده بامتثاله ، ورسوخك في محبّته وطريق مودّته وشوقك إلى متابعة مراده وتحصيل مرضاته أكثر من أن يكون شيء من ذلك ملحوظا لك في عبادته ، كما هو المفهوم من قول مقتداك وهاديك ، وباب علم نبيّك عليهالسلام : «ما عبدتك خوفا من نارك ، ولا طمعا في جنّتك ، بل وجدتك أهلا
__________________
(١) الكشاف ج ٤ ص ٧٨٢.
(٢) وفي المجمع ج ٥ ص ٥٢٣ قال النضر بن شميل سالت الخليل عن هذا فقال القيمة جمع القيم والقيم والقائم واحد فالمراد وذلك دين القائمين لله بالتوحيد.
(٣) وهو الحق انظر تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ص ٨١.