أما أن يراد به المصحف ، أعنى مجموع الأوراق أو الألواح المكتوبة فيها القرآن جميعا ، أو والجلد إذا كان ، أو والكيس ونحوه ، كما ذهب إليه الشافعيّة فبعيد جدا لكن ربّما كان اعتمادهم في ذلك على إطلاق منع مسّ المصحف في الخبر فليتأمل فيه.
وقد أورد في المقام أنّ استفادة التحريم من الآية على ما ذكر يتوقّف على كون النفي بمعنى النهى بتقدير مقول فيه ، وهو تكلّف ، وكونه صفة ل (كِتابٍ) أي اللوح والمطهّرون الملائكة المقربون المطهّرون عن الذنوب وغيرها محتمل واضح خال عن التكلّف ، فلا يجوز العدول عنه ، وإن ثبت الحكم بالأخبار أو الإجماع إلّا أن يدلّ دليل على أنه مراد منها.
ويمكن أن يجاب بأنّ هذا الاحتمال مدفوع بما قدّمنا ، ومعه ارتكاب نحو هذا التكلّف سهل وأولى ، لكن قد ذهب جماعة من الأصحاب إلى كراهة مسّ خطّ القرآن للمحدث.
وفي الكشاف : «وإن جعلته صفة للقرآن فالمعنى لا ينبغي أن يمسّه إلّا من هو على الطهارة من الناس» ولا يخفى أن «لا ينبغي» ظاهره الاخبار والكراهة دون التحريم ، وأنه قريب ، وأن المحذور الذي هو لزوم الكذب يندفع بهذا المقدار فلا يلزم ارتكاب ما يلزم منه التحريم ، بل لا يجوز إلّا بما يقتضيه بخصوصه.
وتبيّن أيضا انه لا يتوقّف استفادة الحكم على كون النفي بمعنى النهي خصوصا على التقدير المذكور ، فيجوز التقدير إخبارا على التحريم أيضا كلا يجوز ونحوه ، وأيضا لم سلّم وجوب كون النفي هنا بمعنى النهي في الجملة ، فلا يلزم كونه للتحريم بل جاز كونه بمعنى نهي التنزيه.
لا يقال النهى ظاهره التحريم وإن احتمل التنزيه ، لأنّا نقول ذلك في صيغة النهي لا مطلق طلب الترك ، فإن للنفي في هذا المقام معنيين مجازيين : أحدهما معنى نهى التحريم ، والآخر نهى التنزيه ، بل ثالث هو طلب الترك مجملا ، فاذا تعذر