مكان ، وإلّا لاشتمل إطلاق الاعتزال على خلاف ما أجمع عليه كما لا يخفى.
ويؤيّده ما روي (١) أنّ أهل الجاهليّة كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يجالسوها على فرش ولم يساكنوها في بيت ، كفعل اليهود والمجوس ، فلما نزلت ، أخذ المسلمون بظاهر اعتزالهنّ فأخرجوهنّ من بيوتهم ، فقال ناس من الأعراب : يا رسول الله البرد شديد ، والثياب قليلة ، فان آثرناهنّ بالثياب هلك سائر أهل البيت ، وإن استأثرنا بها هلكت الحيّض! فقال صلىاللهعليهوآله : إنّما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهنّ إذا حضن ، ولم يأمركم بإخراجهنّ من البيوت كفعل الأعاجم.
وقيل : إنّ النصارى كانوا يجامعونهنّ ولا يبالون بالحيض ، واليهود كانوا يعتزلونهنّ في كلّ شيء ، فأمر الله في الاقتصاد بين الشيئين ، وما رواه مسلم (٢) من أن اليهود كانوا يعتزلون النساء في زمان الحيض ، فسأل أصحاب النبيّ عن ذلك فنزلت ، فقال اصنعوا كلّ شيء إلّا النكاح.
ويؤيّد ذلك أيضا قوله (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ) من وجوه كما يأتي وقوله (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) فان إتيانهنّ جماعهنّ ، فيكون المراد النهى عن مجامعتهنّ في القبل ، وهو مذهب الأكثر منّا ومن العامة ، إلّا أن بعضا ـ مع حملهم المحيض على المصدر بتقدير أو اسم زمان ـ قالوا بذلك للروايات وبقيّة الآية وغيرها ، وأبو حنيفة وأبو يوسف أوجبا اعتزال ما اشتمل عليه الإزار ، وهو قول للمرتضى منّا (٣) ويؤيّد
__________________
(١) رواه في كنز العرفان ج ١ ص ٤٣ وفي المستدرك ج ١ ص ٧٧ عن غوالي اللئالى وجامع أحاديث الشيعة ج ١ ص ١٩٠ وأخرجه في الكشاف ج ١ ص ٢٦٥ والامام الرازي ج ٦ ص ٦٦ مع زيادة.
(٢) انظر صحيح مسلم بشرح النووي ج ٣ ص ٢١١ ورواه في الدر المنثور ج ١ ص ٢٥٨ عن أحمد وعبد بن حميد والدارمي ومسلم وابى داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابى يعلى وابن المنذر وابن ابى حاتم والنحاس في ناسخه وابن حبان والبيهقي في سننه ورواه في المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ١ ص ٢٩٩ عن الجماعة إلا البخاري وفيه وفي لفظ الا الجماع والحديث طويل أخذ المصنف موضع الحاجة.
(٣) نقله عنه في المختلف ج ١ ص ٣٥ عن شرح الرسالة له.