عندهم من أفعال العباد ، واقعان بقدرة العباد ، خارجان عن مقدور الله تعالى ، فهما واقعان من العبد عندهم.
وربما يستدلون في خلق الأعمال بقوله تبارك وتعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون : ١٤] ، وزعموا أن ذلك يدل على اتصاف العباد بالخلق والاختراع ، وهذا وهم منهم وزلل.
فإن الخلق قد يراد به التقدير ، ومن ذلك سمي الحذّاء خالقا لتقديره طاقة من النعل بطاقة ، ومنه قول القائل (١) :
ولأنت تفري ما خلقت وبع |
|
ض القوم يخلق ثم لا يفري |
ولما ذكر الله تعالى إجراء النطفة في أطوار الخلق ، في مدد مضروبة وأوقات مرقوبة مقدرة عنده ، قال تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ). معناه أحسن المقدرين. ثم العبد عند المعتزلة أحسن خلقا من الله تعالى عن قولهم ؛ فإن أحسن الخالقين من كان خلقه أحسن ، ومن خلق العبد الإيمان بالله ، وهو أحسن خلقا من خلق الأجسام وأعراضها.
ثم نتمسك بعد ذلك بنصوص الكتاب في وقوع الكائنات مرادة لله تعالى. قال الله عزوجل : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) [سورة الأنعام : ١١١] ، إلى قوله تعالى : (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [سورة الأنعام : ٣٥] ؛ وقال تعالى : (لَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) ؛ وقال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) [سورة الأنعام : ١٢٥]. والنصوص التي استدللنا بها ، عند ذكر الهدى والضلال والطبع والختم ، كلها دالة على ما ننتحله.
فصل
التوفيق خلق قدرة الطاعة ، والخذلان خلق قدرة المعصية ؛ ثم الموفق لا يعصي إذ لا قدرة له على المعصية ، وكذلك القول في نقيض ذلك. وصرف المعتزلة التوفيق إلى خلق لطف يعلم الرب تعالى أن العبد يؤمن عنده ، والخذلان محمول على امتناع اللطف. ثم لا يقع في معلوم الله تعالى اللطف في حق كل واحد ؛ بل منهم من علم الله تعالى أنه يؤمن لو لطف به ، ومنهم من علم أنه لا يزيده ما آمن عنده غيره إلا تماديا في الطغيان وإصرارا على العدوان.
ويلزمهم من مجموع أصلهم أن يقولوا : لا يتصف الرب تعالى بالاقتدار على أن يوفق جميع الخلائق ، وهذا خلاف الدين ونصوص الكتاب المبين ، وقد قال تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ
__________________
(١) هو الشاعر زهير بن أبي سلمى في قصيدة يمدح هرم بن سنان.