ولا نرتضي أيضا حد العلم بأنه الذي أوجب لمحله كونه عالما فإن الغرض من الحدود تبيين المقصود ، وهذا فيه إجمال ، إذ قد يجري عروضه ومثله في كل معنى يسأل المرء عن حده.
ولا يصح أيضا تحديد العلم بما يصح من الموصوف به الإحكام ، فإن العلم بالمستحيلات والقديم والموجودات الباقية ، لا يصح من الموصوف بها الإحكام ، وإنما يندرج تحت ما قاله هذا القائل ضرب واحد من العلوم ، وهو العلم بالإتقان والإحكام.
وأما أوائل المعتزلة فقد قالوا في حد العلم : هو اعتقاد الشيء على ما هو به مع توطين النفس. فأبطل عليهم حدهم باعتقاد المقلد ثبوت الصانع ؛ فإنه اعتقاد المعتقد على ما هو به مع سكون النفس إلى المعتقد ، ثم هو ليس بعلم. فزاد المتأخرون فقالوا : هو اعتقاد الشيء على ما هو به ، مع توطين النفس إلى المعتقد إذا وقع ضرورة أو نظرا. وهذا يبطل بالعلم بأن لا شريك لله تعالى ، والعلم بالمستحيلات ، كاجتماع المتضادات ونحوها ، فهذه ونحوها علوم ، وليست علوما بأشياء. إذ الشيء هو الموجود عندنا ، وهو الموجود والمعدوم الذي يصح وجوده عندهم فقد شذت علوم عن الحد.
فصل
العلم ينقسم إلى القديم والحادث. فالعلم القديم صفة الباري تعالى القائم بذاته ، المتعلق بالمعلومات غير المتناهية ، الموجب للرب سبحانه وتعالى حكم الإحاطة المتقدس عن كونه ضروريا أو كسبيا.
والعلم الحادث ينقسم إلى الضروري ، والبديهي ، والكسبي. فالضروري هو العلم الحادث غير المقدور للعبد مع الاقتران بضرر أو حاجة ، والبديهي كالضروري غير أنه لا يقترن بضرر ولا حاجة ، وقد يسمى كل واحد من هذين القسمين باسم الثاني. ومن حكم الضروري في مستقر العادة أن يتوالى فلا يتأتى الانفكاك عنه والتشكك فيه ؛ وذلك كالعلم بالمدركات ، وعلم المرء بنفسه ، والعلم باستحالة اجتماع المتضادات ونحوها. والعلم الكسبي هو العلم الحادث المقدور بالقدرة الحادثة. ثم كل علم كسبي نظري ، وهو الذي يتضمنه النظر الصحيح في الدليل.
هذا ، ما استمرت به العادة ، وفي المقدور إحداث علم وإحداث القدرة عليه من غير تقديم نظر ، ولكن العادة مستمرة على أن كل علم كسبي نظري.
فصل
للعلوم أضداد تخصها ، وأضداد تضادها وتضاد غيرها. فأما الأضداد الخاصة ، فمنها الجهل ، وهو اعتقاد المعتقد على خلاف ما هو به ؛ ومنها الشك ، وهو الاسترابة في معتقدين فصاعدا من غير