في إيلامه اعتبارا لغيره ، فليس له أن يؤلمه ويلتزم العوض ، ويحصل الاعتبار المعلوم عنده بإخبار الصادق المستيقن صدقه.
فهذه وجوه الرد على المعتزلة على قدر غرضنا من هذا المعتقد ، وكل ما تكلمنا به على هذه الطوائف مبني على أتباعهم في فاسد معتقدهم. ولو لزمنا أصلنا في نفي تقبيح العقل وتحسينه ، ففي التمسك به نقض جميع ما أصّلوه.
وقد نجز هذا الأصل ، وهو الكلام في الآلام وحكمها من الحسن والقبح ، والله المستعان. وها نحن الآن خائضون في الصلاح والأصلح ، ونمزج به اللطف ، وإن ميزنا بينهما عند رسمنا ترجمة الأصول.
باب
اختلفت مذاهب البغداديين والبصريين من المعتزلة في عقود هذا الباب ، واضطربت آراؤهم. فالذي استقرت عليه مذاهب قادة البغداديّين ، أنه يجب على الله ، تعالى عن قولهم ، فعل الأصلح لعباده في دينهم ودنياهم ، ولا يجوز في حكمته تبقية وجه ممكن في الصلاح العاجل والآجل ، بل عليه فعل أقصى ما يقدر عليه في استصلاح عباده.
وقالوا : على موجب مذاهبهم ابتداء الخلق حتم على الله عزوجل وواجب وجوب الحكمة ، وإذا خلق الذين علم أنه يكلفهم ، فيجب إكمال عقولهم ، وأقدارهم وإزاحة عللهم. وكل ما ينال العبد في الحال والمآل ، فهو عند هؤلاء الأصلح لهم ، حتى ارتكبوا على طرد أصلهم جحد الضرورة. وقالوا : خلود أهل النار في الأغلال والأنكال أصلح لهم من الخروج من النار ، وكذلك الأصلح للفسقة في دار الدنيا أن يلعنهم الله ، ويحبط أعمالهم ، ويحبط ثواب قرباتهم إذا اخترموا قبل التوبة.
وأما البصريون ، فقد أنكروا معظم ذلك ، مع موافقتهم إخوانهم في الضلال على إثبات واجبات على الله تعالى وتقدس عن قولهم.
فمما اتفق الفئتان على وجوبه الثواب على مشاق التكليف والأعواض على الآلام غير المستحقة ، وأجمعوا على أن الرب تعالى إذا خلق عبدا وأكمل عقله فلا يتركه هملا ، بل يجب عليه أن يفكره ويمكنه من نيل المراشد ، فإذا كلف عبدا وجب في حكمته أن يلطف به ، ويفعل أقصى ممكن في معلومه ، مما يؤمن ويطيع المكلف عنده ، على ما سنذكره في اللطف فصلا مفردا إن شاء الله عزوجل.
ونقل أصحاب المقالات عن هؤلاء مطلقا ، أنه يجب على الله تعالى فعل الأصلح في الدين ،