بضروب من الآيات ؛ فكان زكريا صلوات الله عليه يصادف عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ، ويقول معجبا : (أَنَّى لَكِ هذا). وتساقط عليها الرطب الجنيّ ، إلى غير ذلك من آياتها. وكذلك أم موسى عليهاالسلام ، ألهمت في أمره بما لا خفاء به. وجرى من الآيات في مولد الرسول عليهالسلام ما لا ينكره منتم إلى الإسلام ، وكان ذلك قبل النبوءة ، والانبعاث والمعجزة لا تسبق دعوى النبوءة كما قدمناه.
فإن تعسف بعضهم وزعم أن الآيات التي استدللنا بها كانت معجزات لنبي كل عصر ، فذلك اقتحام للجهالة. فإنا إذا بحثنا عن العصور الخالية ، لم نلف الآيات التي تمسكنا بها مقترنة بدعوى ، بل كانت تقع من غير تحد لمتحد. فإن قالوا : إنما وقعت للأنبياء دون دعواهم فشرط المعجزة الدعوى ، فإذا فقدت كانت خوارق العادات كرامة للأنبياء ، ويحصل بذلك غرضنا في إثبات الكرامات ولم يكن في وقت مولد الرسول نبي تستند إليه آياته. فقد وضحت الكرامات جوازا ووقوعا ، عقلا وسمعا.
فصل
هذا الفصل في إثبات السحر وتمييزه عن المعجزة ونذكر فيه إثبات الجن والشياطين والرد على منكريهم.
فأما السحر فثابت ، ونحن نصفه أولا ، ثم ندل عقلا على جوازه ونتمسك بموارد السمع على وقوعه ونذكر تمييزه عن المعجزة في خلال الكلام. فلا يمتنع أن يترقى الساحر في الهواء ، ويتحلق في جو السماء ويسترق ويتولج في الكواء والخوخات ، إلى غير ذلك مما هو من قبيل مقدورات البشر ، إذ الحركات في الجهات من قبيل مقدورات الخلق. ولا يمتنع عقلا أن يفعل الرب تعالى عند ارتياد الساحر ما يستأثر بالاقتدار عليه ، فإن كل ما هو مقدور للعبد فهو واقع بقدرة الله تعالى عندنا.
والدليل على جواز ذلك ، كالدليل على الكرامة. ووجه الميز هاهنا بين السحر والمعجزة كوجه الميز في الكرامة ، فلا وجه إلى إعادته. وقد شهدت شواهد سمعية على ثبوت السحر ؛ منها قصة هاروت وماروت ، ومنها سورة الفلق مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من سحر لبيد بن أعصم اليهودي لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإنه سحره على مشط ومشاطة تحت راعوفة في بئر ذروان. وسحر ابن عمر فتوعكت يده ، وسحرت جارية عائشة رضي الله عنها.
واتفق الفقهاء على وجود السحر واختلفوا في حكمه ، وهم أهل الحل والعقد ، وبهم ينعقد الإجماع ، ولا عبرة مع اتفاقهم بحثالة المعتزلة فقد ثبت السحر جوازا ووقوعا.
ثم اعلموا أن السحر لا يظهر إلا على فاسق ، والكرامة لا تظهر على فاسق ، وليس ذلك من مقتضى العقل ، ولكنه متلقى من إجماع الأمة. ثم الكرامة وإن كانت لا تظهر على معلن بفسقه ، فلا