ولا تصح دون الخروج منها ، وذلك كاغتصاب شيء من مال الغير ، فلا يصح الندم عليه ، مع إدامة شدّ اليد عليه ، فلا تتمسكوا بالصور ، وارعوا الندم لحق الله تعالى نفيا وإثباتا.
فصل
من احتقب أوزارا وقارف ذنوبا صحت توبته عن بعضها ، مع الإصرار على بعضها ، وذهب أبو هاشم ومتبعوه إلى أن التوبة لا تصح دون الانكفاف عن جميع الذنوب. وهذا الذي ذكروه خروج عن المعقول وموجب الشرع المنقول. فإن من بدرت منه بوادر وصدرت منه عظائم ، فيصح في مجرى العادات منه التّنصّل عن جماهيرها ، والاعتذار عنها مع الإصرار على شيء منها.
وضرب الأئمة لذلك مثالا ، فقالوا : من غصب أموالا لرجل واستولى على جرائم ، وانتسب إلى انتهاك حرمات ، وكسر له في تضاعيف ما اجترمه قلما. ثم غرم له ما أتلف ، واستسلم لحكمه ، وأذعن لأمره ، ولكنه لم يعتذر عن كسر القلم ؛ فيصح اعتذاره عن العظائم التي ندم عليها ، وذلك غير مجحود عند ذوي العقول.
والذي يحقق ما قلناه ، إجماع الأمة على أن الكافر إذا أسلم وتاب عن كفره ، صحت توبته ، وإن استدام زلة واحدة. ومذهب أبي هاشم أنه لا تصح توبته ، وهو بعد إسلامه ، والتزام أحكامه ، ملتزم لوزر كفره ، وهذا خروج عن إجماع المسلمين. فإن قال من نصر مذهبه إنما يجب التوبة عن الذنب لقبحه ، وذلك يعمم كل ذنب ، فلا يصح ندم على قبيح مع الإصرار على قبيح ، وهذا الذي ذكروه يبطل من أوجه ، يطول تتبعها ، ولا يحتمل هذا المعتقد ذكرها.
ولكن مما يقرب في إبطال ما قال ، أن الطاعة تثبت لحسنها ، فينبغي أن لا تصح طاعة مع ترك طاعة ؛ وليس الأمر كذلك عنده ، وكذلك القبيح يترك لقبحه ، فينبغي أن لا يتصور ترك قبيح مع مقارفة قبيح ومثابرته. فبطل ما قالوه من كل وجه. ثم التوبة ندم ، ويتصور الندم على ضرب ، مع غلبة الهوي على ضرب.
فصل
من ندم على سيئة ووقع الندم توبة على شرائطها ؛ ثم ذكر السيئة ، فقد قال القاضي رضي الله عنه يجب عليه تجديد الندم عليها ، كلما ذكرها. إذ لو لم يندم عليها ، لكان مستهينا بها أو فرحا ، وذلك يرده إلى إصراره ويحل عروة الندم.
وهذا ما قاله ، ولي فيه نظر. إذ لا يبعد أن يندم ، ثم إذا ذكر أضرب عنه ولم يفرح به مبتهجا ولم يجدد عليه ندما ؛ ولا خلاف أنه لا يجب عليه استدامة الندم ، واستصحاب ذكره دهره جهده ؛ وهذا مما نستخير الله فيه.