لذلك قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) [سورة الأعراف : ٥٣] ، والتأويل فيها يحمل على الساعة في اتفاق الجماعة.
فصل
صرحت طوائف من الكرّامية بتسمية الرب تعالى عن قولهم جسما ، وسبيل مفاتحتهم بالكلام أن نقول : الجسم هو المؤلف ، في حقيقة اللغة ، ولذلك يقال في شخص فضل شخصا بالعبالة وكثرة تآلف الأجزاء إنه أجسم منه وإنه جسيم ، ولا وجه لحمل المبالغة إلا على تآلف الأجزاء. فإذا أنبأتنا المبالغة المأخوذة من الجسم على زيادة التأليف ، فاسم الجسم يجب أن يدل على أصل التأليف ؛ إذ الأعلم لمّا دل على مزية في العلم ، دل العالم على أصله.
ثم نقول : إن سميتم الباري تعالى جسما وأثبتم له حقائق الأجسام ، فقد تعرضتم لأمرين : إما نقض دلالة حدث الجواهر ، فإن مبناها على قبولها للتأليف والمماسة والمباينة ؛ وإما أن تطردوها وتقضوا بقيام دلالة الحدث في وجود الصانع. وكلاهما خروج عن الدين ، وانسلال عن ربقة المسلمين.
ومن زعم منهم أنه لا يثبت للباري تعالى أحكام الأجسام ، وإنما المعنى بتسميته جسما الدلالة على وجوده ؛ فإن قالوا ذلك قيل لهم : لم تحكمتم بتسمية ربكم باسم ينبئ عما يستحيل في صفته ، من غير أن يرد به شرع أو يستقر فيه سمع ، وما الفصل بينكم وبين من يسميه جسدا ، ثم يحمل الجسد على الوجود؟ فإن قيل : إذا لم يمتنع تسمية الإله نفسا ، كما دل عليه قوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [سورة المائدة : ١١٦] ، فلا يمتنع أيضا تسميته جسما ؛ قلنا : لا يسوغ القياس في إثبات أسماء الرب سبحانه وتعالى ، إذ لو ساغ ذلك لساغ مثله في الجسد. على أن النفس يراد بها الوجود ؛ ولذلك يحسن قول القائل : نفس العرض والعرض نفسه ، ولا يصح أن يقال : جسم العرض ، ثم الأصل اتباع الشرع.
فصل
مما يخالف الجوهر فيه حكم الإله قبول الأعراض وصحة الاتصاف بالحوادث ، والرب سبحانه وتعالى يتقدس عن قبول الحوادث. وذهبت الكرّامية إلى أن الحوادث تقوم بذات الرب تعالى عن قولهم ؛ ثم زعموا أنه لا يتصف بما يقوم به من الحوادث ، وصار إلى جهالة لم يسبقوا إليها ، فقالوا : القول الحادث يقوم بذات الرب سبحانه وتعالى ، وهو غير قائل به ، وإنما هو قائل بالقائلية.
وحقيقة أصلهم أن أسماء الرب لا يجوز أن تتجدد ، ولذلك وصفوه بكونه خالقا في الأزل ، ولم يتحاشوا من قيام الحوادث به ، وتنكبوا عن إثبات وصف جديد له ذكرا وقولا.