سفينة نوح عليهالسلام : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) [سورة القمر : ١٤] ولم يثبت أحد من المنتمين إلى التحقيق أعينا لله تعالى. والمعنى بالآية أنها تجري بأعيننا ، وهي منا بالمكان المحوط بالملائكة والحفظ والرعاية ؛ يقال فلان بمرأى من الملك ومسمع ، إذ كان بحيث تحوطه عنايته وتكتنفه رعايته. وقيل المراد بالأعين في هذه الآية ، الأعين التي انفجرت من الأرض ، وأضيفت إلى الله تعالى ملكا ، وهذا غير بعيد.
وأما قوله تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [سورة الرحمن : ٢٧] ، فلا وجه لحمل الوجه على صفة ، إذ لا تختص بالبقاء بعد فناء الخلق صفة لله تعالى ، بل هو الباقي بصفاته الواجبة ، فالأظهر حمل الوجه على الوجود. وقيل المراد بالوجه الجهة التي يراد بها التقرب إلى الله تعالى ؛ يقال : فعلت ذلك لوجه الله تعالى ، معناه لجهة امتثال أمر الله. فالمعنى بالآية. أن كل ما لم يرد به وجه الله محبط.
ومن سلك من أصحابنا سبيل إثبات هذه الصفات بظواهر هذه الآيات ، ألزمه سوق كلامه أن يجعل الاستواء والمجيء والنزول والجنب من الصفات تمسكا بالظاهر. فإن ساغ تأويلها فيما يتفق عليه ، لم يبعد أيضا طريق التأويل فيما ذكرناه.
وكنا على الإضراب عن الكلام على الظواهر ، فإذا عرض فسنشير إلى جمل منها في الكتاب والسنة. وقد صرح بالاسترواح إليها الحشوية الرعاع المجسمة.
فمما يسأل عنه قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة النور : ٣٥] ، قيل معناه الله هادي أهل السموات والأرض ، ولا يستجيز منتم إلى الإسلام القول بأن نور السموات والأرض هو الإله. والمقصود من الآية ضرب الأمثال فهي بذلك على الإجمال ، وقد نطق بما ذكرناه سياق الآية ، فإنه عز من قائل قال : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) [سورة النور : ٣٥].
ومما يسأل عنه قوله تعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [سورة الزمر : ٥٦] ، ولا يلتبس معنى هذه الآية إلا على غر غبي. إذ لا يتجه في انتظام الكلام حمل الجنب على تقدير الجارحة ، مع ذكر التفريط ، فلا وجه إلا حمل الجنب على جهات أمر الله تعالى ومأخذها. وقد يراد بالجنب الجناب والدّرا لعل المراد بها جمع ذروة ؛ يقال فلان محترس برعاية فلان ، لائذ إلى جنبه ، عائذ بجنابه. وليس ما ذكرنا من مضارب التأويل ، بل على قطع نعلم بطلان حمل الجنب الذي أضيف إليه التفريط على الجارحة.
ومما يسأل عنه قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [سورة القلم : ٤٢] ، فالمعنى بالآية الإنباء عن أهوال يوم القيامة وصعوبة أحوالها ، وما يدفع إليه المجرمون من أنكالها. وإذا وجد الأمر في الحرب ، واستعرت الصدور بالغيظ ، وحدجت الأعين بالبغضاء ، وشمخت الأنوف ، والتحمت المصارع ، قيل : قامت الحرب على ساقها ؛ ولا يتخيل حمل الساق على الجارحة ذو تحصيل.