ومما وقع السؤال عنه ما يروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا كان يوم القيامة ، واستقرّ أهل الجنان في النعيم ، وأهل النار في الجحيم ؛ وقالت النار : هل من مزيد؟ ، فيضع الجبار قدمه في النار ، فتقول النار : قط قط» (١).
وهذا مما رواه محمد بن إسماعيل في كتاب التفسير من مسنده الصحيح.
وللتأويل أوسع مجال فيه ، فيمكن أن يحمل الجبار على متجبر من العباد ، وهو في معلوم الله من أعتى العتاة ، وقد ألهمت النار ترقّبه ، فهي لا تزال تستزيد حتى يستقرّ قدم ذلك الجبار فيها ، فتقول النار عند ذلك : قط قط.
وقد ورد في مأثور الأخبار : أن أقدام الخلائق البرّ منهم والفاجر تستقر على متن جهنم كأنها إهالة جامدة ، فإذا وافت الأقدام عليها ازدردت النار أهلها ، ولهي أعرف بهم من الوالدة بولدها.
ومصداق حمل الجبار على ما ذكرناه ، ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أهل النار كل متكبر جبار ، جظّ ، جعظريّ ، جوّاظ» (٢).
ويمكن حمل القدم على بعض الأمم المستوجبة للنار في علم الله تعالى ، وتكون الإضافة في القدم بمعنى الملك.
ومما تتمسك به الحشوية ، ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله خلق آدم على صورته» ، وهذا الحديث غير مدوّن في الصحاح ، وإن صح فقد نقل له سبب أغفله الحشوية ، وهو ما روي أن رجلا كان يلطم عبدا له حسن الوجه ، فنهاه صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، وقال : «إن الله تعالى خلق آدم على صورته» ، والهاء راجعة على العبد المنهي عن ضربه. ويمكن صرف الهاء إلى آدم نفسه ، ومعنى الحديث على ذلك أن الله تعالى خلق آدم بشرا سويا من غير والد ووالدة.
والغرض من الحديث : أنه عليه الصلاة والسلام لم يدر في أطوار الخلق ، بل أبدعه الله على صورته.
ومن أحاط بما ذكرناه ، لم يصعب عليه مدرك تأويل ما يسأل عنه ، بعد التثبّت وعدم الابتدار إلى تأويل كل ما يسأل عنه من مناكير الأخبار.
فهذا ، رحمكم الله ، كاف بالغ في إثبات العلوم بالصفات الواجبة المنقسمة إلى النفسية والمعنوية ، وقد اندرج في خلل الكلام في هذا القسم ، إيضاح ما يستحيل على الله تعالى.
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب تفسير سورة ٥٠ باب ١. كتاب التوحيد باب ٧ ، ٢٥. مسلم في كتاب الجنة حديث ٣٥ ، ٣٧ ، ٣٨. الترمذي في كتاب الجنة باب ٢٠ أحمد في مسنده (٢ / ٣٦٩ ، ٥٠٧).
(٢) رواه البخاري في كتاب الأدب باب ٦. مسلم في كتاب الجنة حديث ٤٦ ، ٤٧. الترمذي في كتاب جهنم باب ١٣. ابن ماجه في كتاب الزهد باب ٤. أحمد في مسنده (٣ / ١٤٥).