الدليل المقتضي للعلم بالمدلول. وإذا فسد النظر بمصادفة الشبهة ، فليس للشبهة وجه متعلق باعتقاد على التحقيق ؛ إذ لو كان للشبهة وجه متعلق باعتقاد على التحقيق ، لكان دليلا ، ولكان الاعتقاد علما.
ومما يوضح ذلك ، أن الدليل لما دل بصفته النفسية ، دل كل من أحاط به علما على مدلوله ؛ فلو كان للشبهة وجه أيضا ، لقاد العالم بحقيقة الشبهة إلى الجهل ، وليس الأمر كذلك.
فصل
الأدلة هي التي يتوصل بصحيح النظر فيها إلى ما لا يعلم في مستقر العادة اضطرارا ، وهي تنقسم إلى العقلي والسمعي.
فأما العقلي من الأدلة ، فما دل بصفة لازمة هو في نفسه عليها ، ولا يتقرر في العقل تقدير وجوده غير دال على مدلوله ؛ كالحادث الدال بجواز وجوده على مقتض يخصصه بالوجود الجائز ، وكذلك الإتقان والتخصيص الدالان على علم المتقن وإرادة المخصص.
والسمعي ، هو الذي يستند إلى خبر صدق أو أمر يجب اتباعه.
فصل
النظر الموصل إلى المعارف واجب ، ومدرك وجوبه الشرع ، وجملة أحكام التكليف متلقاة من الأدلة السمعية والقضايا الشرعية.
وذهبت المعتزلة إلى أن العقل يتوصل به إلى درك واجبات ، ومن جملتها النظر ، فيعلم وجوبه عندهم عقلا ، وستأتي المسألة إن شاء الله عزوجل ، ولكنا نذكر منها طرفا يختص بالنظر.
فإن قالوا : إذا نفيتم مدرك وجوب النظر عقلا ، ففي مصيركم إلى ذلك إبطال تحدي الأنبياء عليهمالسلام ، وانحسام سبيل الاحتجاج ؛ فإنهم إذا دعوا الخلق إلى ما ظهر من أمرهم ، واستدعوا منهم النظر فيما أبدوه من المعجزات ، وخصّصوا به من الآيات ، فيقال لهم : لا يجب النظر إلا بشرع مستقر ، وتكليف ثابت مستمر ، ولم يثبت بعد عندنا شرع تتلقى منه الواجبات ؛ فيحملهم هذا الاعتقاد على الإضراب عن الرشاد ، والتمادي في الجحد والعناد.
قلنا : هذا الرأي الذي ألزمتمونا في الشرع المنقول ينعكس عليكم في قضايا العقول ؛ فإن الموصل إلى العلم بوجوب النظر من مجاري العبر ، وعندكم أن العاقل يخطر له تجويز صانع يطلب منه معرفته وشكره على نعمه ، ولو عرفه لنجا ورجا الثواب الجزيل ، ولو كفر واستكبر لتصدى لاستحقاق العقاب الوبيل.