وقوله (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ) يعني بذلك موالاتهم للكافرين ، وتركهم موالاة المؤمنين التي أعقبتهم نفاقا في قلوبهم ، وأسخطت الله عليهم سخطا مستمرا إلى يوم معادهم ، ولهذا قال (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) وفسر بذلك ما ذمهم به ، ثم أخبر عنهم أنهم (وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) يعني يوم القيامة. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا مسلم بن علي عن الأعمش بإسناد ذكره ، قال «يا معشر المسلمين ، إياكم والزنا ، فإن فيه ست خصال : ثلاثا في الدنيا ، وثلاثا في الآخرة ، فأما التي في الدنيا فإنه يذهب البهاء ، ويورث الفقر ، وينقص العمر ، وأما التي في الآخرة فإنه يوجب سخط الرب ، وسوء الحساب ، والخلود في النار» ، ثم تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) هكذا ذكره ابن أبي حاتم.
وقد رواه ابن مردويه من طريق هشام بن عمار عن مسلمة ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم فذكره ، وساقه أيضا من طريق سعيد بن غفير عن مسلمة ، عن أبي عبد الرحمن الكوفي ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم فذكر مثله ، وهذا حديث ضعيف على كل حال ، والله أعلم.
وقوله تعالى : (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ) أي لو آمنوا حق الإيمان بالله والرسول والقرآن لما ارتكبوا ما ارتكبوه من موالاة الكافرين في الباطن ، ومعاداة المؤمنين بالله والنبي وما أنزل إليه ، (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي خارجون عن طاعة الله ورسوله ، مخالفون لآيات وحيه وتنزيله.
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (٨٦)
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : نزلت هذه الآيات في النجاشي وأصحابه الذين حين تلا عليهم جعفر بن أبي طالب بالحبشة القرآن ، بكوا حتى أخضلوا لحاهم (١) ، وهذا القول فيه نظر ، لأن هذه الآية مدنية ، وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة. وقال سعيد بن جبير والسدي وغيرهما : نزلت في وفد بعثهم النجاشي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ليسمعوا كلامه ويروا صفاته ، فلما رأوه وقرأ عليهم القرآن أسلموا وبكوا وخشعوا ، ثم رجعوا إلى النجاشي فأخبروه. قال السدي :
__________________
(١) الأثر في الطبري ٥ / ٤.