قتادة عن أبي مازن قال : انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة ، فإذا قوم من المسلمين جلوس ، فقرأ أحدهم هذه الآية (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَ) فقال أكثرهم : لم يجيء تأويل هذه الآية اليوم. وقال : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا ابن فضالة عن معاوية بن صالح ، عن جبير بن نفير قال : كنت في حلقة فيها أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإني لأصغر القوم ، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقلت أنا : أليس الله يقول في كتابه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) فأقبلوا عليّ بلسان واحد ، وقالوا : تنزع آية من القرآن لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها؟ فتمنيت أني لم أكن تكلمت ، وأقبلوا يتحدثون فلما حضر قيامهم قالوا : إنك غلام حدث السن ، وإنك نزعت آية ولا تدري ما هي ، وعسى أن تدرك ذلك الزمان ، إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت.
وقال ابن جرير (١) : حدثنا علي بن سهل ، حدثنا ضمرة بن ربيعة قال : تلا الحسن هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) فقال الحسن : الحمد لله بها ، والحمد لله عليها ، ما كان مؤمن فيما مضى ولا مؤمن فيما بقي إلا وإلى جنبه منافق يكره عمله. وقال سعيد بن المسيب : إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، فلا يضرك من ضل إذا اهتديت ، رواه ابن جرير (٢). وكذا روي من طريق سفيان الثوري ، عن أبي العميس ، عن أبي البختري ، عن حذيفة مثله. وكذا قال غير واحد من السلف. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد الدمشقي ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ، عن كعب في قوله (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) قال : إذا هدمت كنيسة دمشق فجعلت مسجدا ، وظهر لبس العصب ، فحينئذ تأويل هذه الآية.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (١٠٨)
اشتملت هذه الآية الكريمة على حكم عزيز قيل إنه منسوخ ، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم : أنها منسوخة. وقال آخرون : وهم الأكثرون فيما قاله
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٩٨.
(٢) المصدر السابق.