بعضهم ببعض ، جزاء على ظلمهم وبغيهم.
(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) (١٣٠)
وهذا أيضا مما يقرع الله به كافري الجن والإنس يوم القيامة ، حيث يسألهم وهو أعلم هل بلغتهم الرسل رسالاته؟ وهذا استفهام تقرير (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) أي من جملتكم ، والرسل من الإنس فقط وليس من الجن رسل ، كما قد نص على ذلك مجاهد وابن جريج وغير واحد من الأئمة من السلف والخلف ، وقال ابن عباس : الرسل من بني آدم ومن الجن نذر. وحكى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم : أنه زعم أن في الجن رسلا واحتج بهذه الآية الكريمة ، وفيه نظر ، لأنها محتملة وليست بصريحة ، وهي ـ والله أعلم ـ كقوله (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ١٩ ـ ٢٠] إلى أن قال (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢] ومعلوم أن اللؤلؤ والمرجان إنما يستخرجان من الملح لا من الحلو ، وهذا واضح ولله الحمد ، وقد ذكر هذا الجواب بعينه ابن جرير (١) ، والدليل على أن الرسل إنما هم من الإنس ، قوله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ـ إلى قوله ـ رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء : ١٦٣ ـ ١٦٥].
وقوله تعالى : عن إبراهيم (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) [العنكبوت : ٢٠] فحصر النبوة والكتاب بعد إبراهيم في ذريته ، ولم يقل أحد من الناس : إن النبوة كانت في الجن قبل إبراهيم الخليل ، ثم انقطعت عنهم ببعثته ، وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٢٠] وقال (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) [يوسف : ١٠٩] ومعلوم أن الجن تبع للإنس في هذا الباب ، ولهذا قال تعالى إخبارا عنهم (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الأحقاف : ٢٩ ـ ٣٢] وقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلا عليهم سورة الرحمن وفيها قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
وقال تعالى في هذه الآية الكريمة (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ
__________________
(١) جواب ابن جرير وأثر الضحاك بن مزاحم في تفسير الطبري ٥ / ٣٤٥.