(إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) (١) وروي من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس مثله سواء وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) يعني طعام الجنة وشرابها(٢).
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا نصر بن علي أخبرنا موسى بن المغيرة حدثنا أبو موسى الصفار في دار عمرو بن مسلم قال : سألت ابن عباس أو سئل أي الصدقة أفضل؟ فقال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أفضل الصدقة الماء ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله» وقال أيضا : حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح قال لما مرض أبو طالب قالوا له لو أرسلت إلى ابن أخيك هذا فيرسل إليك بعنقود من الجنة لعله أن يشفيك به ، فجاءه الرسول وأبو بكر عند النبيصلىاللهعليهوسلم فقال أبو بكر (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ).
ثم وصف تعالى الكافرين بما كانوا يعتمدونه في الدنيا باتخاذهم الدين لهوا ولعبا واغترارهم بالدنيا وزينتها وزخرفها عما أمروا به من العمل للآخرة ، وقوله (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) أي يعاملهم معاملة من نسيهم ، لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء ولا ينساه كما قال تعالى : (فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢] وإنما قال تعالى هذا من باب المقابلة كقوله (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] وقال (كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) [طه : ١٢٦] وقال تعالى : (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) [الجاثية : ٣٤] وقال العوفي عن ابن عباس في قوله (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) قال نسيهم الله من الخير ولم ينسهم من الشر ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا ، وقال مجاهد نتركهم في النار ، وقال السدي نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا ، وفي الصحيح أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول بلى فيقول أظننت أنك ملاقي؟ فيقول لا فيقول الله تعالى فاليوم أنساك كما نسيتني (٣)؟
(وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٥٣)
يقول تعالى مخبرا عن إعذاره إلى المشركين بإرسال الرسل إليهم بالكتاب الذي جاء به
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٥٠٩.
(٢) تفسير الطبري ٥ / ٥٠٩.
(٣) أخرجه مسلم في الزهد حديث ١٦ ، والترمذي في القيامة باب ٦.