(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١٥٢)
قال عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما أنزل الله (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) و (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) الآية ، فانطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله ، ويفسد ، فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) قال : فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم رواه أبو داود (١).
وقوله تعالى : (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) قال الشعبي ومالك وغير واحد من السلف : يعني حتى يحتلم ، وقال السدي : حتى يبلغ ثلاثين سنة ، وقيل أربعون سنة ، وقيل ستون سنة ، قال : وهذا كله بعيد ها هنا والله أعلم.
وقوله تعالى : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء ، كما توعد على تركه في قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [المطففين : ١ ـ ٦] وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان.
وفي كتاب الجامع لأبي عيسى الترمذي : من حديث الحسين بن قيس أبي علي الرحبي ، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحاب الكيل والميزان «إنكم وليتم أمرا (٢) هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم» ثم قال : لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحسين وهو ضعيف في الحديث. وقد روي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا (٣).
قلت وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من حديث شريك عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إنكم معشر الموالي قد بشركم الله بخصلتين بهما هلكت القرون المتقدمة : المكيال والميزان».
وقوله تعالى : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي من اجتهد في أداء الحق وأخذه ، فإن أخطأ
__________________
(١) سنن أبي داود (وصايا باب ٧)
(٢) عبارة الترمذي «إنكم قد وليتم أمرين ...».
(٣) سنن الترمذي (بيوع باب ٩)