(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٠٣)
يقول تعالى : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) أي الذي خلق كل شيء ، ولا ولد له ولا صاحبة (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) أي فاعبدوه وحده ، لا شريك له ، وأقروا له بالوحدانية ، وأنه لا إله إلا هو ، وأنه لا ولد له ، ولا والد ولا صاحبة له ، ولا نظير ولا عديل (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي حفيظ ورقيب ، يدبر كل ما سواه ، ويرزقهم ويكلؤهم بالليل والنهار.
وقوله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) فيه أقوال للأئمة من السلف [أحدها] لا تدركه في الدنيا ، وإن كانت تراه في الآخرة ، كما تواترت به الأخبار ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، من غير ما طريق ثابت ، في الصحاح والمسانيد والسنن ، كما قال مسروق عن عائشة أنها قالت : من زعم أن محمدا أبصر ربه فقد كذب ، وفي رواية على الله ، فإن الله تعالى قال : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) رواه ابن أبي حاتم : من حديث أبي بكر بن عياش ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، ورواه غير واحد عن مسروق ، وثبت في الصحيح وغيره عن عائشة من غير وجه ، وخالفها ابن عباس ، فعنه : إطلاق الرؤية ، وعنه أنه رآه بفؤاده مرتين ، والمسألة تذكر في أول سورة النجم إن شاء الله.
وقال ابن أبي حاتم : ذكر محمد بن مسلم ، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا يحيى بن معين ، قال : سمعت إسماعيل ابن علية يقول في قول الله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) قال هذا في الدنيا ، وذكر أبي عن هشام بن عبد الله ، أنه قال نحو ذلك.
وقال آخرون (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) أي جميعها وهذا مخصص بما ثبت من رؤية المؤمنين له في الدار الآخرة.
وقال آخرون من المعتزلة ، بمقتضى ما فهموه من هذه الآية ، أنه لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة ، فخالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك ، مع ما ارتكبوه من الجهل ، بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله. أما الكتاب ، فقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) وقال تعالى عن الكافرين : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) قال الإمام الشافعي : فدل هذا ، على أن المؤمنين لا يحجبون عنه تبارك وتعالى.
أما السنة ، فقد تواترت الأخبار عن أبي سعيد ، وأبي هريرة ، وأنس ، وجريج ، وصهيب ، وبلال وغير واحد من الصحابة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة ، في العرصات وفي روضات الجنات ، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه آمين.
وقيل المراد بقوله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) أي العقول ، رواه ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين ، عن الفلاس ، عن ابن مهدي ، عن أبي حصين يحيى بن الحصين ، قارئ أهل مكة ،