وكذا روى ابن جريج عن عطاء مثله ، وقال هشيم عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال : في الصلاة وعند الذكر.
وقال ابن المبارك عن بقية : سمعت ثابت بن عجلان يقول : سمعت سعيد بن جبير يقول في قوله (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) قال : الإنصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة وفيما يجهر به الإمام من الصلاة (١) ، وهذا اختيار ابن جرير أن المراد من ذلك الإنصات في الصلاة وفي الخطبة ، كما جاء في الأحاديث من الأمر بالإنصات خلف الإمام وحال الخطبة. وقال عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن مجاهد أنه كره إذا مر الإمام بآية خوف أو بآية رحمة أن يقول أحد من خلفه شيئا ، قال : السكوت. وقال مبارك بن فضالة عن الحسن : إذا جلست إلى القرآن فأنصت له.
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا عباد بن ميسرة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة ، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة» تفرد به الإمام أحمد رحمهالله تعالى.
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (٢٠٦)
يأمر تعالى بذكره أول النهار واخره كثيرا ، كما أمر بعبادته في هذين الوقتين في قوله (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) [ق : ٣٩] وقد كان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء ، وهذه الآية مكية. وقال هاهنا : بالغدو ، وهو أول النهار ، والآصال جمع أصيل كما أن الأيمان جمع يمين ، وأما قوله (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) أي اذكر ربك في نفسك رغبة ورهبة وبالقول لا جهرا ، ولهذا قال (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) وهكذا يستحب أن يكون الذكر لا يكون نداء وجهرا بليغا ، ولهذا لما سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله عزوجل (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [البقرة : ١٨٦].
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار ، فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم «يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إن الذي تدعونه سميع قريب أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» (٣).
وقد يكون المراد من هذه الآية كما في قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها
__________________
(١) تفسير الطبري ٦ / ١٦٤.
(٢) المسند ٢ / ٣٤١.
(٣) أخرجه البخاري في الدعوات باب ٥١ ، ومسلم في الذكر حديث ٤٤ ، ٤٥.