أكثرهم واردا» (١).
وقوله (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أي يوم القيامة (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يصدقون بالمعاد ، ولا يخافون شر ذلك اليوم ، ثم قال تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي كل دابة في السموات والأرض الجميع عباده وخلقه ، وتحت قهره وتصرفه وتدبيره ، لا إله إلا هو ، (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي السميع لأقوال عباده ، العليم بحركاتهم وضمائرهم وسرائرهم ، ثم قال تعالى لعبده ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، الذي بعثه بالتوحيد العظيم وبالشرع القويم ، وأمره أن يدعو الناس إلى صراط الله المستقيم (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) كقوله (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [الزمر : ٦٤] والمعنى لا أتخذ وليا إلا الله وحده لا شريك له ، فإنه فاطر السموات والأرض ، أي خالقهما ومبدعهما ، على غير مثال سبق (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) أي وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج إليهم ، كما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] الآية ، وقرأ بعضهم هاهنا (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) (٢) أي لا يأكل.
وفي حديث سهيل بن صالح : عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : دعا رجل من الأنصار ، من أهل قباء النبي صلىاللهعليهوسلم على طعام ، فانطلقنا معه ، فلما طعم النبي صلىاللهعليهوسلم وغسل يديه ، قال «الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ، ومن علينا فهدانا وأطعمنا ، وسقانا من الشراب ، وكسانا من العري ، وكل بلاء حسن أبلانا الحمد لله غير مودع ربي ولا مكافئ ولا مكفور ، ولا مستغنى عنه ، الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام ، وسقانا من الشراب ، وكسانا من العري ، وهدانا من الضلال ، وبصرنا من العمى ، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا ، الحمد لله رب العالمين» (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) أي من هذه الأمة (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يعني يوم القيامة (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ) أي العذاب (يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ) يعني رحمهالله (وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) كقوله (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) [آل عمران : ١٨٥] والفوز حصول الربح ، ونفي الخسارة.
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ
__________________
(١) سنن الترمذي (قيامة باب ١٤) وفيه : «واردة» مكان «واردا».
(٢) أي «ولا يطعم» بفتح الياء والعين. وهي قراءة سعيد بن جبير ومجاهد والأعمش. (تفسير الطبري ٦ / ٣٩٧)