فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) يقول : ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق ، وقال مجاهد والسدي : ضيقا حرجا شاكا ، وقال عطاء الخراساني : ضيقا حرجا أي ليس للخير فيه منفذ ، وقال ابن المبارك عن ابن جريج : ضيقا حرجا بلا إله إلا الله حتى لا يستطيع أن تدخل قلبه ، (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) من شدة ذلك عليه. وقال سعيد بن جبير : يجعل صدره ضيقا حرجا ، قال: لا يجد فيه مسلكا إلا صعدا. وقال السدي (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) من ضيق صدره.
وقال عطاء الخراساني (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) يقول مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إلى السماء ، وقال الحكم بن أبان : عن عكرمة عن ابن عباس (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) يقول : فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء ، فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه ، حتى يدخله الله في قلبه ، وقال الأوزاعي (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيقا أن يكون مسلما.
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير (١) : وهذا مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شدة ضيقه عن وصول الإيمان إليه ، يقول : فمثله في امتناعه من قبول الإيمان وضيقه عن وصوله إليه ، مثل امتناعه عن الصعود إلى السماء وعجزه عنه ، لأنه ليس في وسعه وطاقته ، وقال : في قوله (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) يقول : كما يجعل الله صدر من أراد إضلاله ضيقا حرجا ، كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ، ممن أبى الإيمان بالله ورسوله فيغويه ويصده عن سبيل الله ، وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس : الرجس الشيطان ، وقال مجاهد : الرجس : كل ما لا خير فيه ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الرجس العذاب (٢).
(وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢٧)
لما ذكر تعالى طريق الضالين عن سبيله الصادين عنها ، نبه على شرف ما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق ، فقال تعالى : (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً) منصوب على الحال ، أي هذا الدين الذي شرعناه لك يا محمد بما أوحينا إليك هذا القرآن هو صراط الله المستقيم ، كما تقدم في حديث الحارث عن علي في نعت القرآن : هو صراط الله المستقيم وحبل الله المتين وهو الذكر الحكيم ، رواه أحمد والترمذي بطوله.
(قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ) أي وضحناها وبيناها وفسرناها (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) أي لمن له فهم ووعي يعقل عن الله ورسوله (لَهُمْ دارُ السَّلامِ) وهي الجنة (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي يوم القيامة ، وإنما وصف الله الجنة هاهنا بدار السلام ، لسلامتهم فيما سلكوه من الصراط المستقيم المقتفي أثر
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٣٣٩.
(٢) تفسير الطبري ٥ / ٣٤٠ ـ ٣٤١.