وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا عبيد بن إياد بن لقيط ، قال : سمعت أبي يذكر عن حذيفة قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الساعة ، فقال «علمها عند ربي عزوجل لا يجليها لوقتها إلا هو ، ولكن سأخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها ، إن بين يديها فتنة وهرجا» قالوا : يا رسول الله الفتنة قد عرفناها فما الهرج؟ قال «بلسان الحبشة القتل» قال «ويلقى بين الناس التناكر ، فلا يكاد أحد يعرف أحدا» لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه.
وقال وكيع : حدثنا ابن أبي خالد عن طارق بن شهاب قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يزال يذكر من شأن الساعة حتى نزلت (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) الآية ، ورواه النسائي من حديث عيسى بن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد به ، وهذا إسناد جيد قوي ، فهذا النبي الأمي سيد الرسل وخاتمهم محمد صلوات الله عليه وسلامه نبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة والعاقب والمقفى والحاشر الذي تحشر الناس على قدميه ، مع قوله فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس وسهل بن سعد رضي الله عنهما «بعثت أنا والساعة كهاتين» وقرن بين إصبعيه السبابة والتي تليها (٢) ، ومع هذا كله قد أمره الله أن يرد علم وقت الساعة إليه إذا سئل عنها ، فقال (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١٨٨)
أمره الله تعالى أن يفوض الأمور إليه ، وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل ولا اطلاع له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه ، كما قال تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) [الجن : ٢٦] الآية. وقوله (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) قال عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن مجاهد (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) قال : لو كنت أعلم متى أموت لعملت عملا صالحا ، وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وقال مثله ابن جريج ، وفيه نظر لأن عمل رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان ديمة (٣) ، وفي رواية : كان إذا عمل عملا أثبته (٤) ، فجميع عمله كان على منوال واحد كأنه ينظر إلى الله عزوجل في جميع أحواله ، اللهم إلا أن يكون المراد أن يرشد غيره إلى الاستعداد لذلك ، والله أعلم.
والأحسن في هذا ما رواه الضحاك عن ابن عباس (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ
__________________
(١) المسند ٥ / ٣٨٩.
(٢) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٣٩ ، ومسلم في الجمعة حديث ٣٧.
(٣) أخرجه البخاري في الصوم باب ٦٤ ، ومسلم في المسافرين حديث ٢١٧.
(٤) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ١٤١ ، ٢١٥ ، وأبو داود في التطوع باب ٢٧.