بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه ، وقد روى ابن مردويه من حديث بقية عن ميسرة بن عبيد عن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه عن سعيد بن المسيب ، قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم في الآية (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) فقال «من أوفى على يده في الكيل والميزان والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما لم يؤاخذ وذلك تأويل وسعها» هذا مرسل غريب.
وقوله (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) كقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) [المائدة : ٨] الآية ، وكذا التي تشبهها في سورة النساء ، يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال على القريب والبعيد ، والله تعالى يأمر بالعدل لكل أحد في كل وقت وفي كل حال.
وقوله (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) قال ابن جرير (١) : يقول وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا ، وإيفاء ذلك أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم وتعملوا بكتابه وسنة رسوله ، وذلك هو الوفاء بعهد الله.
(ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يقول تعالى : هذا أوصاكم به وأمركم به وأكد عليكم فيه (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه قبل هذا ، وقرأ بعضهم بتشديد الذال وآخرون بتخفيفها.
(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١٥٣)
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) وفي قوله (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى : ١٣] ونحو هذا في القرآن ، قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة ، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله (٢) ونحو هذا ، قاله مجاهد وغير واحد.
وقال الإمام أحمد بن حنبل (٣) : حدثنا الأسود بن عامر شاذان ، حدثنا أبو بكر هو ابن عياش ، عن عاصم هو ابن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه : قال : خط رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطا بيده ، ثم قال «هذا سبيل الله مستقيما» وخط عن يمينه وشماله ثم قال «هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ).
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٣٩٥.
(٢) تفسير الطبري ٥ / ٣٩٧.
(٣) مسند أحمد ١ / ٤٦٥.