وقال ابن عباس في قوله (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ) يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون (وَما كُنَّا غائِبِينَ) يعني أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا من قليل وكثير وجليل وحقير ، لأنه تعالى الشهيد على كل شيء لا يغيب عنه شيء ولا يغفل عن شيء بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩].
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) (٩)
يقول تعالى : (وَالْوَزْنُ) أي للأعمال يوم القيامة (الْحَقُ) أي لا يظلم تعالى أحدا كقوله (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [الأنبياء : ٤٧] وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٤٠] وقال تعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ) [القارعة : ٦ ـ ١١] وقال تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) [المؤمنون : ١٠٢ ـ ١٠٣].
[فصل] والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل الأعمال وإن كانت أعراضا إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما ، قال البغوي : يروى نحو هذا عن ابن عباس ، كما جاء في الصحيح من أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف (١). ومن ذلك في الصحيح قصة القرآن وأنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللون فيقول : من أنت؟ فيقول أنا القرآن الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك (٢). وفي حديث البراء في قصة سؤال القبر «فيأتي المؤمن شاب حسن اللون طيب الريح فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا عملك الصالح» (٣) ، وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق.
وقيل يوزن كتاب الأعمال كما جاء في حديث البطاقة في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كفة تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر ، ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها لا إله إلا الله فيقول يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى إنك لا تظلم. فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «فطاشت السجلات وثقلت
__________________
(١) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٢٥٢ ، وأحمد في المسند ٥ / ٢٤٩ ، ٢٥١ ، ٢٥٥ ، ٢٥٧.
(٢) أخرجه ابن ماجة في الأدب باب ٥٢ ، وأحمد في المسند ٥ / ٣٤٨ ، ٣٥٢.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٢٨٧.