للوثن تركوه للوثن ، وكانوا يحرمون من أموالهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام فيجعلونه للأوثان ، ويزعمون أنهم يحرمونه قربة لله ، فقال الله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) الآية (١).
وهكذا قال مجاهد وقتادة والسدي وغير واحد.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في الآية : كل شيء يجعلونه لله من ذبح يذبحونه لا يأكلونه أبدا حتى يذكروا معه أسماء الآلهة وما كان للآلهة لم يذكروا اسم الله معه ، وقرأ الآية حتى بلغ (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٢).
أي ساء ما يقسمون ، فإنهم أخطئوا أولا في القسم ، لأن الله تعالى هو رب كل شيء ومليكه وخالقه ، وله الملك وكل شيء له وفي تصرفه وتحت قدرته ومشيئته ، لا إله غيره ولا رب سواه ، ثم لما قسموا فيما زعموا القسمة الفاسدة لم يحفظوها بل جاروا فيها ، كقوله جل وعلا : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) [النحل : ٥٧] وقال تعالى : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) [الزخرف : ١٥] وقال تعالى : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) [النجم : ٢١] وقوله (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) [النجم : ٢٢].
(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) (١٣٧)
يقول تعالى : وكما زينت الشياطين لهؤلاء أن يجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ، كذلك زينوا لهم قتل أولادهم خشية الإملاق ووأد البنات خشية العار ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم ، شركاؤهم زينوا لهم قتل أولادهم (٣) ، وقال مجاهد : شركاؤهم شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خشية العيلة ، وقال السدي : أمرتهم الشياطين أن يقتلوا البنات إما ليردوهم فيهلكوهم ، وإما ليلبسوا عليهم دينهم ، أي فيخلطوا عليهم دينهم ونحو ذلك (٤).
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقتادة : وهذا كقوله تعالى : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ) [النحل : ٥٨ ـ ٥٩] الآية ، وكقوله (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) [التكوير : ٨ ـ ٩] وقد كانوا أيضا يقتلون الأولاد من الإملاق وهو الفقر أو خشية الإملاق أن يحصل لهم في تلف المال وقد نهاهم عن قتل
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٣٥٠.
(٢) تفسير الطبري ٥ / ٣٥١.
(٣) تفسير الطبري ٥ / ٣٥٢.
(٤) الأثران عن مجاهد والسدي في تفسير الطبري ٥ / ٣٥٢ ـ ٣٥٣.