سبقت غضبي ، وأنا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة أو قبضتين ، فيخرج من النار خلقا لم يعملوا خيرا ، مكتوب بين أعينهم عتقاء الله».
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن عاصم بن سليمان ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان في قوله (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) قال : إنا نجد في التوراة عطفتين ، أن الله خلق السموات والأرض ، وخلق مائة رحمة ، أو جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق ، ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة ، وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة ، قال : فبها يتراحمون ، وبها يتعاطفون ، وبها يتباذلون ، وبها يتزاورون ، وبها تحن الناقة ، وبها تبح البقرة ، وبها تثغو الشاة ، وبها تتتابع الطير ، وبها تتتابع الحيتان في البحر ، فإذا كان يوم القيامة ، جمع الله تلك الرحمة إلى ما عنده ، ورحمته أفضل وأوسع.
وقد روي هذا مرفوعا من وجه آخر ، وسيأتي كثير من الأحاديث الموافقة لهذه عند قوله (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف : ١٥٦] ومما يناسب هذه الآية من الأحاديث أيضا ، قوله صلىاللهعليهوسلم لمعاذ بن جبل : «أتدري ما حق الله على العباد؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا» ثم قال : «أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ أن لا يعذبهم» وقد رواه الإمام أحمد(١) : من طريق كميل بن زياد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨) وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٥٩)
يقول تعالى : وكما بيّنا ما تقدم بيانه من الحجج والدلائل ، على طريق الهداية والرشاد وذم المجادلة والعناد ، (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي التي يحتاج المخاطبون إلى بيانها ، (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل ، وقرئ (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) أي ولتستبين يا محمد ، أو يا مخاطب سبيل المجرمين.
وقوله (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) (٢) أي على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها الله إلي (وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أي بالحق الذي جاءني من الله (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أي من العذاب (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) أي إنما يرجع أمر ذلك إلى الله ، إن شاء عجل لكم ما سألتموه من ذلك ، وإن
__________________
(١) مسند أحمد ٢ / ٣٠٩.
(٢) سقط من تفسير ابن كثير تفسير الآية ٥٦ من هذه السورة ، فلينظر في تفسير الطبري ٥ / ٢٠٨ أو في غيره.