أخيك محمدا يطرد عنه موالينا وحلفاءنا ، فإنما هم عبيدنا وعتقاؤنا (١) ، كان أعظم في صدورنا ، وأطوع له عندنا ، وأدنى لاتباعنا إياه ، وتصديقنا له ، قال : فأتى أبو طالب النبيصلىاللهعليهوسلم فحدثه بذلك ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو فعلت ذلك حتى تنظر ما الذي يريدون ، وإلى ما يصيرون من قولهم ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) إلى قوله (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) قال : وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى أبي حذيفة وصبيحا مولى أسيد ، ومن الحلفاء ابن مسعود والمقداد بن عمرو ومسعود بن القارئ ، وواقد بن عبد الله الحنظلي وعمرو بن عبد عمرو ، وذو الشمالين ، ومرثد بن أبي مرثد ، وأبو مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب ، وأشباههم من الحلفاء ، فنزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء ، (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) الآية ، فلما نزلت ، أقبل عمر رضي الله عنه ، فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فاعتذر من مقالته ، فأنزل الله عزوجل (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) الآية.
وقوله (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي فأكرمهم بردّ السلام عليهم ، وبشرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم ، ولهذا قال (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي أوجبها على نفسه الكريمة ، تفضلا منه وإحسانا وامتنانا ، (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) قال بعض السلف : كل من عصى الله فهو جاهل ، وقال معتمر بن سليمان ؛ عن الحكم بن أبان عن عكرمة ، في قوله (مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) قال : الدنيا كلها جهالة ، رواه ابن أبي حاتم (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ) أي رجع عما كان عليه من المعاصي ، وأقلع وعزم على أن لا يعود ، وأصلح العمل في المستقبل ، (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه ، قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي غلبت غضبي».
أخرجاه في الصحيحين (٣) ، وهكذا رواه الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، ورواه موسى عن عقبة : عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، وكذا رواه الليث وغيره ، عن محمد بن عجلان ، عن أبيه عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك.
وقد روى ابن مردويه من طريق الحكم بن أبان : عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إذا فرغ الله من القضاء بين الخلق ، أخرج كتابا من تحت العرش ، إن رحمتي
__________________
(١) في الطبري «وعسفاؤنا» : جمع عسيف ، وهو العبد والأجير.
(٢) مسند أحمد ٢ / ٣١٣.
(٣) صحيح البخاري (توحيد باب ١٥ وبدء الخلق باب ١) وصحيح مسلم (توبة حديث ١٤ ـ ١٦)