والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر.
وقال سفيان الثوري عن المقدام بن شريح عن أبيه ، قال : قال سعد : نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، منهم ابن مسعود ، قال : كنا نستبق إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وندنو منه ، فقالت قريش : تدني هؤلاء دوننا ، فنزلت (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) رواه الحاكم في مستدركه من طريق سفيان ، وقال : على شرط الشيخين ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق المقدام بن شريح به.
وقوله (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي ابتلينا واختبرنا وامتحنا بعضهم ببعض ، (لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كان غالب من اتبعه في أول بعثته ، ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء ، ولم يتبعه من الأشرف إلا قليل ، كما قال قوم نوح لنوح (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) [هود : ٢٧] الآية ، وكما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان حين سأله عن تلك المسائل ، فقال له : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقال : بل ضعفاؤهم ، فقال : هم أتباع الرسل ، والغرض أن مشركي قريش كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم ، ويعذبون من يقدرون عليه منهم ، وكانوا يقولون : أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟ أي ما كان الله ليهدي هؤلاء إلى الخير ، لو كان ما صاروا إليه خيرا ويدعنا ، كقولهم (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) وكقوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) [الأحقاف : ١١] قال الله تعالى في جواب ذلك (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً) [مريم : ٧٣] وقال في جوابهم حين قالوا : (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) أي أليس هو أعلم بالشاكرين له ، بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم ، فيوفقهم ويهديهم سبل السلام ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ، ويهديهم إلى صراط مستقيم ، كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت : ٦٩] وفي الحديث الصحيح : «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (١).
وقال ابن جرير (٢) : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة في قوله : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) الآية ، قال : جاء عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ومطعم بن عدي ، والحارث بن نوفل ، وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل في أشراف من بني عبد مناف ، من أهل الكفر ، إلى أبي طالب ، فقالوا : يا أبا طالب لو أن ابن
__________________
(١) رواه الإمام أحمد في مسنده ٢ / ٢٨٥ من حديث أبي هريرة. وفيه «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ...».
(٢) تفسير الطبري ٥ / ٢٠٠ ـ ٢٠١.