وقوله (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) كقول نوحعليهالسلام : في جواب الذين قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ، قال (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) [الشعراء : ١١٣] ، أي إنما حسابهم على الله عزوجل ، وليس عليّ من حسابهم من شيء ، كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء ، وقوله (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي إن فعلت هذا والحالة هذه.
قال الإمام أحمد (١) : حدثنا أسباط هو ابن محمد ، حدثني أشعث عن كردوس ، عن ابن مسعود : قال : مر الملأ من قريش على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار ، فقالوا : يا محمد ، أرضيت بهؤلاء فنزل فيهم القرآن (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ ـ إلى قوله ـ أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ).
ورواه ابن جرير من طريق أشعث ، عن كردوس ، عن ابن مسعود ، قال : مرّ الملأ من قريش برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعنده صهيب وبلال وعمار وخباب وغيرهم ، من ضعفاء المسلمين ، فقالوا : يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نصير تبعا لهؤلاء؟ اطردهم فلعلك إن طردتهم أن نتبعك ، فنزلت هذه الآية (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) إلى آخر الآية (٢).
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي عن أبي سعيد الأزدي ـ وكان قارئ الأزد ـ عن أبي الكنود ، عن خباب ، في قول الله عزوجل : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) قال جاء الأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصن الفزاري ، فوجدوا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، مع صهيب وبلال وعمار وخباب ، قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين ، فلما رأوهم حول النبي صلىاللهعليهوسلم حقروهم فأتوه فخلوا به وقالوا : إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت ، قال : «نعم» ، قالوا : فاكتب لنا عليك كتابا ، قال : فدعا بصحيفة ودعا عليا ليكتب ونحن قعود في ناحية ، فنزل جبريل فقال (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) الآية ، فرمى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالصحيفة من يده ، ثم دعانا فأتيناه.
ورواه ابن جرير (٣) من حديث أسباط به ، وهذا حديث غريب ، فإن هذه الآية مكية ،
__________________
(١) مسند أحمد ١ / ٤٢٠.
(٢) تفسير الطبري ٥ / ١٩٩.
(٣) تفسير الطبري ٥ / ١٩٩ والحديث فيه أطول مما هو هنا.