وقوله (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا) أي بالتكذيب والاستهزاء ، (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أي حتى يأخذوا في كلام آخر غير ما كانوا فيه من التكذيب ، (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ) والمراد بذلك كل فرد ، فرد من آحاد الأمة ، أن لا يجلس مع المكذبين الذين يحرفون آيات الله ويضعونها على غير مواضعها ، فإن جلس أحد معهم ناسيا ، (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى) بعد التذكر (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ولهذا ورد في الحديث «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
وقال السدي عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ) قال : إن نسيت فذكرت (فَلا تَقْعُدْ) معهم ، وكذا قال مقاتل بن حيان (١).
وهذه الآية هي المشار إليها في قوله (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) [النساء : ١٤٠] أي إنكم إذا جلستم معهم ، وأقررتموهم على ذلك ، فقد ساويتموهم فيما هم فيه.
وقوله (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي إذا تجنبوهم ، فلم يجلسوا معهم في ذلك ، فقد برئوا من عهدتهم وتخلصوا من إثمهم ، قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن سعيد بن جبير ، قوله (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال : ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك ، أي إذا تجنبتهم وأعرضت عنهم ، وقال آخرون : بل معناه وإن جلسوا معهم ، فليس عليهم من حسابهم من شيء.
وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية ، وهي قوله (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) [النساء : ١٤٠] قاله مجاهد والسدي وابن جريج وغيرهم. وعلى قولهم يكون قوله (وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي ولكن أمرناكم بالإعراض عنهم ، حينئذ تذكيرا لهم عما هم فيه ، لعلهم يتقون ذلك ولا يعودون إليه.
(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٧٠)
يقول تعالى : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي دعهم وأعرض عنهم وأمهلهم قليلا فإنهم صائرون إلى عذاب عظيم ، ولهذا قال وذكر به ، أي ذكر
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٢٢٦.