قال أبو إسحاق السبيعي عن عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) الآية قال اللبن (١). وقال العوفي عن ابن عباس (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) فهو اللبن كانوا يحرمونه على إناثهم ويشربه ذكرانهم وكانت الشاة إذا ولدت ذكرا ذبحوه وكان للرجال دون النساء وإن كانت أنثى تركت فلم تذبح وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء فنهى الله عن ذلك (٢) وكذا قال السدي.
وقال الشعبي البحيرة لا يأكل من لبنها إلا الرجال وإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء وكذا قال عكرمة وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وقال مجاهد في قوله (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) قال هي السائبة والبحيرة (٣).
وقال أبو العالية ومجاهد وقتادة في قول الله : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) أي قولهم الكذب في ذلك يعني كقوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ) [النحل : ١١٦ ـ ١١٧] الآية ، (إِنَّهُ حَكِيمٌ) أي في أفعاله وأقواله وشرعه وقدره (عَلِيمٌ) بأعمال عباده من خير وشر وسيجزيهم عليها أتم الجزاء.
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١٤٠)
يقول تعالى قد خسر الذين فعلوا هذه الأفاعيل في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فخسروا أولادهم بقتلهم ، وضيقوا عليهم في أموالهم فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم ، وأما في الآخرة فيصيرون إلى أسوأ المنازل بكذبهم على الله وافترائهم ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) [يونس : ٦٩ ـ ٧٠].
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الآية : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : إذا سرك أن تعلم جهل العرب ، فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ).
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٣٥٧.
(٢) المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق.