ثم قام عمر ـ أو قال : فأنشأ عمر ـ فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا عائذا بالله ـ أو قال : أعوذ بالله من شر الفتن ـ قال : وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لم أر في الخير والشر كاليوم قط ، صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط» ، أخرجاه من طريق سعيد ، ورواه معمر عن الزهري ، عن أنس بنحو ذلك ، أو قريبا منه. قال الزهري : فقالت أم عبد الله بن حذافة : ما رأيت ولدا أعق منك قط ، أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية ، فتفضحها على رؤوس الناس؟ فقال : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته.
وقال ابن جرير (١) أيضا : حدثنا الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا قيس عن أبي حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو غضبان ، محمار وجهه ، حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال : أين أبي؟ قال : «في النار» ، فقام آخر فقال : من أبي؟ فقال «أبوك حذافة» ، فقام عمر بن الخطاب فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمدصلىاللهعليهوسلم نبيا ، وبالقرآن إماما ، إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك ، والله أعلم من آباؤنا. قال : فسكن غضبه ، ونزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) الآية ، إسناده جيد ، وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من السلف ، منهم أسباط عن السدي أنه قال في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) قال : غضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما من الأيام ، فقام خطيبا فقال «سلوني فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به» فقام إليه رجل من قريش من بني سهم يقال له عبد الله بن حذافة ، وكان يطعن فيه ، فقال : يا رسول الله ، من أبي؟ فقال : أبوك فلان ، فدعاه لأبيه ، فقام إليه عمر بن الخطاب ، فقبل رجله وقال : يا رسول الله ، رضينا بالله ربا ، وبك نبيا ، وبالإسلام دينا ، وبالقرآن إماما ، فاعف عنا عفا الله عنك ، فلم يزل به حتى رضي فيومئذ قال «الولد للفراش ، وللعاهر الحجر».
ثم قال البخاري (٢) : حدثنا الفضل بن سهل ، حدثنا أبو النضر ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا أبو الجويرية عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان قوم يسألون رسول اللهصلىاللهعليهوسلم استهزاء ، فيقول الرجل : من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته : أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) حتى فرغ من الآية كلها ، تفرد به البخاري.
وقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا منصور بن وردان الأسدي ، حدثنا علي بن عبد الأعلى عن أبيه ، عن أبي البختري وهو سعيد بن فيروز ، عن علي قال : لما نزلت هذه الآية (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) قالوا : يا رسول الله ، أفي كل عام؟ فسكت ، فقالوا :
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٨٣.
(٢) صحيح البخاري (تفسير سورة المائدة باب ١١)
(٣) مسند أحمد ١ / ١١٣.