عامر خالة أبي بكر الصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم أم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها (١) ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئسما قلت تسبين رجلا شهد بدرا؟ فقالت : أي هنتاه (٢) ألم تسمعي ما قال؟ قلت : وماذا قال؟ قالت فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسلم ، ثم قال «كيف تيكم؟» فقلت له : أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت : وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث الناس به؟ فقالت : أي بنية هوني عليك ، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. قالت : فقلت سبحان الله أو قد تحدث الناس بها ، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقا (٣) لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، قالت : فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي (٤) ويستشيرهما في فراق أهله ، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود ، فقال أسامة : يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك الخبر. قالت : فدعا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بريرة فقال «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» فقالت له بريرة : والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمرا قط أغمصه عليها (٥) أكثر من جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن (٦) فتأكله.
فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم من يومه ، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول ، قالت : فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو على المنبر «يا معشر المسلمين من يعذرني (٧) من رجل قد بلغني أذاه في أهلي ، فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي».
فقام سعد بن معاذ الأنصاري رضي الله عنه فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا بأمرك ، قالت : فقام سعد بن
__________________
(١) المرط : الكساء.
(٢) أي هنتاه : أي : يا هذه ، أو يا بلهاء.
(٣) لا يرقأ : لا ينقطع.
(٤) استلبث الوحي : أي أبطأ وتأخر.
(٥) أغمصه عليها : أي أعيبها ، وأطعن به عليها.
(٦) الداجن : الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم.
(٧) من يعذرني : أي من يلومني إذا كافأته بسوء صنيعه.