ولا يختلى خلاها» (١) الحديث بتمامه. وقد ثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من طرق جماعة تفيد القطع ، كما هو مبين في موضعه من كتاب الأحكام ، ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى : (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) من باب عطف العام على الخاص ، أي هو رب هذه البلدة ورب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي الموحدين المخلصين المنقادين لأمره المطيعين له. وقوله : (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) أي على الناس أبلغهم إياه كقوله تعالى : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) [آل عمران : ٥٨] وكقوله تعالى : (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِ) [القصص : ٣] الآية ، أي أنا مبلغ ومنذر ، (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) أي لي أسوة بالرسل الذين أنذروا قومهم ، وقاموا بما عليهم من أداء الرسالة إليهم ، وخلصوا من عهدتهم وحساب أممهم على الله تعالى ، كقوله تعالى : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) [الرعد: ٤٠] وقال (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [هود : ١٢] (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها) أي لله الحمد الذي لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه ، والإنذار إليه ، ولهذا قال تعالى : (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها) كما قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) [فصلت : ٥٣].
وقوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أي بل هو شهيد على كل شيء. قال ابن أبي حاتم : ذكر عن أبي عمر الحوضي حفص بن عمر ، حدثنا أبو أمية بن يعلى الثقفي ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا أيها الناس لا يغترن أحدكم بالله ، فإن الله لو كان غافلا شيئا لأغفل البعوضة والخردلة والذرة» وقال أيضا : حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا نصر بن علي قال أبي أخبرني خالد بن قيس عن مطر عن عمر بن عبد العزيز قال : فلو كان الله مغفلا شيئا لأغفل ما تعفي الرياح من أثر قدمي ابن آدم ، وقد ذكر عن الإمام أحمد رحمهالله تعالى أنه كان ينشد هذين البيتين إما له وإما لغيره :
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل |
|
خلوت ولكن قل علي رقيب |
ولا تحسبن الله يغفل ساعة |
|
ولا أن ما يخفى عليه يغيب |
آخر تفسير سورة النمل ولله الحمد والمنة.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٧٧ ، ومسلم في الحج حديث ٤٤٥ ، ٤٤٧ ، ٤٦٤ ، وأبو داود في المناسك باب ٨٩ ، ٩٥ ، والنسائي في الحج باب ١١٠ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٥٣ ، ٢٥٩ ، ٣١٥ ، ٣١٦.