أبي عبيدة عن عبد الله قال : رأيت الشجرة التي نودي منها موسى عليهالسلام سمرة خضراء ترف ، إسناده مقارب. وقال محمد بن إسحاق عن بعض من لا يتهم عن وهب بن منبه قال : شجرة من العليق ، وبعض أهل الكتاب يقول إنها من العوسج. وقال قتادة : هي من العوسج ، وعصاه من العوسج.
وقوله تعالى : (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي الذي يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين الفعال لما يشاء لا إله غيره ولا رب سواه ، تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله سبحانه.
وقوله : (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) أي التي في يدك كما قرره على ذلك في قوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى؟ قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) [طه : ١٧ ـ ١٨] والمعنى أما هذه عصاك التي تعرفها ألقها (فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) فعرف وتحقق أن الذي يكلمه هو الذي يقول للشيء : كن فيكون ، كما تقدم بيان ذلك في سوره طه ، وقال هاهنا : (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) أي تضطرب (كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً) أي في حركتها السريعة مع عظم خلقتها وقوائمها ، واتساع فمها واصطكاك أنيابها وأضراسها ، بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها ، تنحدر في فيها تتقعقع كأنها حادرة في واد فعند ذلك (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي ولم يكن يلتفت لأن طبع البشرية ينفر من ذلك ، فلما قال الله له : (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) رجع فوقف في مقامه الأول ، ثم قال الله تعالى : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي إذا أدخلت يدك في جيب درعك ثم أخرجتها ، فإنها تخرج تتلألأ كأنها قطعة قمر في لمعان البرق ، ولهذا قال : (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي من غير برص.
وقوله تعالى : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) قال مجاهد : من الفزع ، وقال قتادة : من الرعب. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بن جرير : مما حصل لك من خوفك من الحية ، والظاهر أن المراد أعم من هذا ، وهو أنه أمر عليهالسلام إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب وهو يده ، فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف ، وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يده على فؤاده ، فإنه يزول عنه ما يجده أو يخف إن شاء الله تعالى وبه الثقة. قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا الربيع بن ثعلب الشيخ صالح ، أخبرنا أبو إسماعيل المؤدب عن عبد الله بن مسلم عن مجاهد قال : كان موسى عليهالسلام قد ملئ قلبه رعبا من فرعون ، فكان إذا رآه قال : اللهم إني أدرأ بك في نحره ، وأعوذ بك من شره ، فنزع الله ما كان في قلب موسى عليهالسلام ، وجعله في قلب فرعون ، فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار.
وقوله تعالى : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) يعني إلقاء العصا وجعلها حية تسعى وإدخاله يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء ، دليلان قاطعان واضحان على قدرة الفاعل المختار ،