أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١) أخرجاه من حديث الزهري ، وهكذا رواه مسلم في صحيحه ، والترمذي من حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا عماه قل لا إله إلا الله ، أشهد لك بها يوم القيامة» فقال : لو لا أن تعيرني بها قريش يقولون ما حمله عليه إلا جزع الموت ، لأقررت بها عينك ، لا أقولها إلا لأقر بها عينك ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) وقال الترمذي : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن كيسان ، ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد القطان عن يزيد بن كيسان : حدثني أبو حازم عن أبي هريرة فذكره بنحوه ، وهكذا قال ابن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي وقتادة : إنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقول لا إله إلا الله ، فأبى عليه ذلك ، وقال : أي ابن أخي ملة الأشياخ ، وكان آخر ما قاله هو على ملة عبد المطلب.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن أبي راشد قال : كان رسول قيصر جاء إلي ، قال : كتب معي قيصر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتابا ، فأتيته فدفعت الكتاب فوضعه في حجره ، ثم قال : «ممن الرجل؟» قلت : من تنوخ. قال : «هل لك في دين أبيك إبراهيم الحنيفية؟» قلت : إني رسول قوم وعلى دينهم حتى أرجع إليهم ، فضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونظر إلى أصحابه ، وقال : «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء».
وقوله تعالى : (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) يقول تعالى مخبرا عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع الهدى حيث قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) أي نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين ، أن يقصدونا بالأذى والمحاربة ، ويتخطفونا أينما كنا ، قال الله تعالى مجيبا لهم :
(أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) يعني هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل ، لأن الله تعالى جعلهم في بلد أمين وحرم معظم آمن منذ وضع ، فكيف يكون هذا الحرم آمنا لهم في حال كفرهم وشركهم ، ولا يكون آمنا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق؟ وقوله تعالى : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) أي من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره ، وكذلك المتاجر والأمتعة (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) أي من عندنا (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ولهذا قالوا ما قالوا.
وقد قال النسائي : أنبأنا الحسن بن محمد ، حدثنا الحجاج عن ابن جريج ، أخبرني ابن أبي مليكة قال : قال عمرو بن شعيب عن ابن عباس ، ولم يسمعه منه ، إن الحارث بن عامر بن
__________________
(١) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب ٤٠ ، وتفسير سورة ٢٨ ، باب ١ ، ومسلم في الإيمان حديث ٣٩ ، ٤١ ، والترمذي في تفسير سورة ٢٨ ، باب ١ ، وأحمد في المسند ٣ / ٤٣٤.