«فما شأن هذه؟» فقلت : يا رسول الله أخذتها حمى بنافض (١) ، قال «فلعله في حديث تحدث به» قالت : فاستوت له عائشة قاعدة ، فقالت : والله لئن حلفت لكم لا تصدقوني ، ولئن اعتذرت إليكم لا تعذروني ، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه حين قال : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) [يوسف : ١٨] قالت : فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنزل الله عذرها ، فرجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه أبو بكر ، فدخل فقال : يا عائشة «إن الله تعالى قد أنزل عذرك» فقالت : بحمد الله لا بحمدك ، فقال لها أبو بكر : تقولين هذا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قالت : نعم. قالت : فكان فيمن حدث هذا الحديث رجل كان يعوله أبو بكر فحلف أن لا يصله ، فأنزل الله (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) إلى آخر الآية ، فقال أبو بكر : بلى فوصله. تفرد به البخاري (٢) دون مسلم من طريق حصين.
وقد رواه البخاري عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة وعن محمد بن سلام عن محمد بن فضيل كلاهما عن حصين به : وفي لفظ أبي عوانة حدثتني أم رومان ، وهذا صريح في سماع مسروق منها ، وقد أنكر ذلك جماعة من الحفاظ منهم الخطيب البغدادي ، وذلك لما ذكره أهل التاريخ أنها ماتت في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم قال الخطيب : وقد كان مسروق يرسله فيقول : سئلت أم رومان ويسوقه فلعل بعضهم كتب سئلت بألف اعتقد الراوي أنها سألت فظنه متصلا ، قال الخطيب : وقد رواه البخاري كذلك ولم تظهر له علته كذا قال ، والله أعلم.
فقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ) أي بالكذب والبهت والافتراء (عُصْبَةٌ) أي جماعة منكم (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ) أي يا آل أبي بكر (بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أي في الدنيا والآخرة لسان صدق في الدنيا ورفعة منازل في الآخرة وإظهار شرف لهم باعتناء الله تعالى بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، حيث أنزل الله براءتها في القرآن العظيم الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤٢] الآية ، ولهذا لما دخل عليها ابن عباس رضي الله عنه وعنها وهي في سياق الموت ، قال لها : أبشري فإنك زوجة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان يحبك ولم يتزوج بكرا غيرك ، وأنزل براءتك من السماء.
وقال ابن جرير (٣) في تفسيره : حدثني محمد بن عثمان الواسطي ، حدثنا جعفر بن عون عن المعلى بن عرفان عن محمد بن عبد الله بن جحش قال : تفاخرت عائشة وزينب رضي الله عنهما فقالت زينب : أنا التي نزل تزويجي من السماء ، وقالت عائشة : أنا التي نزل عذري في كتاب الله حين حملني صفوان بن المعطل على الراحلة ، فقالت لها زينب : يا عائشة ما قلت حين ركبتيها؟ قالت : قلت حسبي الله ونعم الوكيل ، قالت : قلت كلمة المؤمنين.
__________________
(١) عليها حمى بنافض : أي عليها حمى أصابتها برعدة شديدة ، كأنها نفضتها ، أي حركتها.
(٢) كتاب الأنبياء باب ١٩ ، والمغازي باب ٣٤.
(٣) تفسير الطبري ٩ / ٢٧٧.