وقوله تعالى : (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي فترى المطر وهو القطر ، يخرج من بين ذلك السحاب (فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) أي إليه يفرحون لحاجتهم بنزوله عليهم ووصوله إليهم. وقوله تعالى : (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) معنى الكلام أن هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر ، كانوا قنطين أزلين من نزول المطر إليهم قبل ذلك ، فلما جاءهم جاءهم على فاقة ، فوقع منهم موقعا عظيما ، وقد اختلف النحاة في قوله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) فقال ابن جرير : هو تأكيد ، وحكاه عن بعض أهل العربية. وقال آخرون : من قبل أن ينزل عليهم المطر من قبله ، أي الإنزال لمبلسين ، ويحتمل أن يكون ذلك من دلالة التأسيس ، ويكون معنى الكلام أنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله ، ومن قبله أيضا قد فات عندهم نزوله وقتا بعد وقت ، فترقبوه في إبانه ، فتأخر ، ثم مضت مدة فترقبوه فتأخر ، ثم جاءهم بغتة بعد الإياس منه والقنوط ، فبعد ما كانت أرضهم مقشعرة هامدة أصبحت وقد اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، ولهذا قال تعالى : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) يعني المطر (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها).
ثم نبه بذلك على إحياء الأجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها فقال تعالى : (إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى) أي إن الذي فعل ذلك لقادر على إحياء الأموات (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ثم قال تعالى : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) يقول تعالى: (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً) يابسة على الزرع الذي زرعوه ونبت وشب واستوى على سوقه ، فرأوه مصفرا ، أي قد أصفر وشرع في الفساد لظلوا من بعده ، أي بعد هذا الحال ، يكفرون ، أي يجحدون ما تقدم إليهم من النعم. كقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ ـ إلى قوله ـ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) [الواقعة : ٦٣ ـ ٦٧].
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ، حدثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال : الرياح ثمانية : أربعة منها رحمة ، وأربعة عذاب ، فأما الرحمة : فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات ، وأما العذاب : فالعقيم والصرصر وهما في البر ، والعاصف والقاصف وهما في البحر.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي بن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا عبد الله بن عياش ، حدثني عبد الله بن سليمان عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «الريح مسخرة من الثانية ـ يعني الأرض الثانية ـ فلما أراد أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا ، فقال : يا رب أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور ، قال له الجبار تبارك وتعالى : لا إذا تكفأ الأرض وما عليها ، ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم ، فهي التي قال الله في كتابه (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) هذا حديث غريب ، ورفعه منكر ، والأظهر أنه من كلام عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه.