وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد عن جابر قال : إن الله رفع لقمان الحكيم بحكمته ، فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك ، فقال له : ألست عبد بني فلان الذي كنت ترعى بالأمس؟ قال : بلى ، قال : فما بلغ بك ما أرى؟ قال : قدر الله ، وأداء الأمانة ، وصدق الحديث ، وتركي ما لا يعنيني ، فهذه الآثار منها ما هو مصرح فيه بنفي كونه نبيا ، ومنها ما هو مشعر بذلك ، لأن كونه عبدا قد مسه الرق ينافي كونه نبيا ، لأن الرسل كانت تبعث في أحساب قومها ، ولهذا كان جمهور السلف على أنه لم يكن نبيا ، وإنما ينقل كونه نبيا عن عكرمة إن صح السند إليه ، فإنه رواه ابن جرير وقال ابن أبي حاتم من حديث وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عكرمة ، قال : كان لقمان نبيا ، وجابر هذا هو ابن يزيد الجعفي ، وهو ضعيف ، والله أعلم.
وقال عبد الله بن وهب : أخبرني عبد الله بن عياش القتباني عن عمر مولى غفرة ، قال : وقف رجل على لقمان الحكيم ، فقال : أنت لقمان ، أنت عبد بني الحسحاس؟ قال : نعم ، قال : أنت راعي الغنم؟ قال : نعم ، قال : أنت الأسود؟ قال : أما سوادي فظاهر ، فما الذي يعجبك من أمري؟ قال : وطء الناس بساطك ، وغشيهم بابك ، ورضاهم بقولك. قال : يا ابن أخي إن صغيت إلى ما أقول لك كنت كذلك ، قال لقمان : غضي بصري وكفي لساني ، وعفة طعمتي وحفظي فرجي ، وقولي بصدق ، ووفائي بعهدي ، وتكرمتي ضيفي ، وحفظي جاري وتركي ما لا يعنيني ، فذاك الذي صيرني إلى ما ترى.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل ، حدثنا عمرو بن واقد ، عن عبدة بن رباح ، عن ربيعة عن أبي الدرداء أنه قال يوما وذكر لقمان الحكيم ، فقال : ما أوتي ما أوتي عن أهل ولا مال ولا حسب ولا خصال ، ولكنه كان رجلا صمصامة سكيتا ، طويل التفكر ، عميق النظر ، لم ينم نهارا قط ، ولم يره أحد قط يبزق ولا يتنخع ، ولا يبول ولا يتغوط ، ولا يغتسل ، ولا يعبث ولا يضحك ، وكان لا يعيد منطقا نطقه إلا أن يقول حكمة يستعيدها إياه أحد ، وكان قد تزوج وولد أولاد ، فماتوا فلم يبك عليهم ، وكان يغشى السلطان ويأتي الحكام لينظر ويتفكر ويعتبر ، فبذلك أوتي ما أوتي (١).
وقد ورد أثر غريب عن قتادة رواه ابن أبي حاتم فقال : حدثنا أبي ، حدثنا العباس بن الوليد ، حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي ، حدثنا سعيد عن ابن بشير قتادة قال : خير الله لقمان الحكيم بين النبوة والحكمة ، فاختار الحكمة على النبوة ، قال : فأتاه جبريل وهو نائم ، فذر عليه الحكمة ، أو رش عليه الحكمة ، قال : فأصبح ينطق بها ، قال سعيد : فسمعت عن قتادة يقول : قيل للقمان : كيف اخترت الحكمة على النبوة ، وقد خيرك ربك؟ فقال : إنه لو
__________________
(١) انظر الدر المنثور ٥ / ٣١٢.