وأصحابه قريبا من شهر ، إلا أنهم لا يصلون إليهم ولم يقع بينهم قتال ، إلا أن عمرو بن عبد ودّ العامري وكان من الفرسان الشجعان المشهورين في الجاهلية ، ركب ومعه فوارس ، فاقتحموا الخندق وخلصوا إلى ناحية المسلمين ، فندب رسول الله صلىاللهعليهوسلم خيل المسلمين إليه ، فيقال إنه لم يبرز أحد فأمر عليا رضي الله عنه فخرج إليه فتجاولا ساعة ثم قتله علي رضي الله عنه ، فكان علامة النصر.
ثم أرسل الله عزوجل على الأحزاب ريحا شديدة الهبوب قوية حتى لم يبق لهم خيمة ولا شيء ، ولا توقد لهم نار ولا يقر لهم قرار ، حتى ارتحلوا خائبين خاسرين ، كما قال الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً) قال مجاهد : وهي الصبا ، ويؤيده الحديث الآخر : «نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور» (١).
وقال ابن جرير (٢) : حدثني محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود عن عكرمة قال قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب : انطلقي ننصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالت الشمال : إن الحرة لا تسري بالليل ، قال : فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا.
ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ، عن حفص بن غياث ، عن داود عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فذكره.
وقال ابن جرير (٣) أيضا : حدثنا يونس حدثنا ابن وهب ، حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : أرسلني خالي عثمان بن مظعون رضي الله عنه ليلة الخندق في برد شديد وريح إلى المدينة ، فقال : ائتنا بطعام ولحاف ، قال : فاستأذنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأذن لي وقال «من أتيت من أصحابي فمرهم يرجعوا» قال : فذهبت والريح تسفي كل شيء ، فجعلت لا ألقى أحدا إلا أمرته بالرجوع إلى النبي صلىاللهعليهوسلم قال : فما يلوي أحد منهم عنق ، قال : وكان معي ترس لي ، فكانت الريح تضربه علي ، وكان فيه حديد ، قال : فضربته الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد على كفي فأبعدها إلى الأرض.
وقوله (وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) هم الملائكة زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف ، فكان رئيس كل قبيلة يقول : يا بني فلان إلي ، فيجتمعون إليه ، فيقول : النجاء ، النجاء لما ألقى الله عزوجل في قلوبهم من الرعب. وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب
__________________
(١) أخرجه البخاري في الاستسقاء باب ٢٦ ، والمغازي باب ٢٩ ، وبدء الخلق باب ٥ ، والأنبياء باب ١ ، ومسلم في الاستسقاء حديث ١٧ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٢٣ ، ٢٢٨ ، ٣٢٤ ، ٣٤١ ، ٣٥٥ ، ٣٧٣.
(٢) تفسير الطبري ١٠ / ٢٦٣.
(٣) تفسير الطبري ١٠ / ٢٦٣.