رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله تعالى فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة». وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدا معلوما ، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر ، فإن الله تعالى لم يجعل له حدا ينتهي إليه ، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على تركه ، فقال : (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) [النساء : ١٠٣] بالليل والنهار في البر والبحر ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسر والعلانية ، وعلى كل حال. وقال عزوجل : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته ، والأحاديث والآيات والآثار في الحث على ذكر الله تعالى كثيرة جدا ، وفي هذه الآية الكريمة الحث على الإكثار من ذلك. وقد صنف الناس في الأذكار المتعلقة بآناء الليل والنهار كالنسائي والمعمري وغيرهما. ومن أحسن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب الأذكار للشيخ محيي الدين النووي رحمهالله.
وقوله تعالى : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أي عند الصباح والسماء ، كقوله عزوجل (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) [الروم : ١٧ ـ ١٨] وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) هذا تهييج إلى الذكر ، أي أنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم ، كقوله عزوجل (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة : ١٥١ ـ ١٥٢] وقال النبيصلىاللهعليهوسلم «يقول الله تعالى : من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه» (١) والصلاة من الله تعالى ثناؤه على العبد عند الملائكة ، حكاه البخاري عن أبي العالية ، ورواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عنه ، وقال غيره : الصلاة من الله عزوجل الرحمة. وقد يقال : لا منافاة بين القولين ، والله أعلم.
وأما الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار ، كقوله تبارك وتعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) [غافر : ٧ ـ ٩] الآية. وقوله تعالى : (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم ودعاء ملائكته لكم ، يخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهدى واليقين (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) أي في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فإنه هداهم إلى الحق الذي جهله غيرهم ، وبصرهم الطريق الذي ضل عنه وحاد عنه من سواهم من
__________________
(١) أخرجه البخاري في التوحيد باب ١٥ ، ٤٣ ، ومسلم في الذكر حديث ٢ ، ٢١.