وعلي بن الحسين زين العابدين وجماعة من السلف بهذه الآية على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدمه نكاح ، لأن الله تعالى قال : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) فعقب النكاح بالطلاق ، فدل على أنه لا يصح ولا يقع قبله ، وهذا مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من السلف والخلف رحمهمالله تعالى ، وذهب مالك وأبو حنيفة رحمهماالله تعالى إلى صحة الطلاق قبل النكاح فيما إذا قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، فعندهما متى تزوجها طلقت منه ، واختلفا فيما إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فقال مالك : لا تطلق حتى يعين المرأة. وقال أبو حنيفة رحمهالله : كل امرأة يتزوجها بعد هذا الكلام تطلق منه ، فأما الجمهور فاحتجوا على عدم وقوع الطلاق بهذه الآية.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور المروزي ، حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا يونس يعني ابن أبي إسحاق ، قال : سمعت آدم مولى خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : إذا قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، قال : ليس بشيء من أجل أن الله تعالى يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) الآية وحدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا وكيع عن مطر عن الحسن بن مسلم بن يناق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إنما قال الله عزوجل : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) ألا ترى أن الطلاق بعد النكاح ، وهكذا روى محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال الله تعالى : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَ) فلا طلاق قبل النكاح.
وقد ورد الحديث بذلك عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم «لا طلاق لابن آدم فيما لا يملك» (١) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة. وقال الترمذي. هذا حديث حسن ، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب ، وهكذا روى ابن ماجة عن علي والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا طلاق قبل نكاح»(٢).
وقوله عزوجل : (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) هذا أمر مجمع عليه بين العلماء ، أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها لا عدة عليها ، فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت ، ولا يستثنى من هذا إلا المتوفى عنها زوجها ، فإنها تعتد منه أربعة أشهر وعشرا ، وإن لم يكن دخل بها بالإجماع أيضا. وقوله تعالى : (فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) المتعة هاهنا أعم من أن تكون نصف الصداق المسمى أو المتعة الخاصة إن لم يكن قد سمي لها. قال الله تعالى :
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الطلاق باب ٧ ، وابن ماجة في الطلاق باب ١٧ ، وأحمد في المسند ٢ / ١١٠ ، ١٨٩ ، ١٩٠ ، ٢٠٧.
(٢) أخرجه البخاري في الطلاق باب ٩ ، وابن ماجة في الطلاق باب ١٧.