عبد الوهاب عن سفيان بن عاصم عن أبي رزين قال : كان رجلان شريكان خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر ، فلما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم كتب إلى صاحبه يسأله ما فعل. فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إنما اتبعه أراذل الناس ومساكينهم ، قال : فترك تجارته ثم أتى صاحبه فقال : دلني عليه ، قال : وكان يقرأ الكتب أو بعض الكتب ، قال فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إلام تدعو؟ قال «أدعوا إلى كذا وكذا» قال : أشهد أنك رسول الله. قال صلىاللهعليهوسلم «وما علمك بذلك؟» قال : إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه أراذل الناس ومساكينهم ، قال : فنزلت هذه الآية (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) الآية ، قال : فأرسل إليه النبي صلىاللهعليهوسلم إن الله عزوجل قد أنزل تصديق ما قلت ، وهكذا قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل قال فيها : وسألتك أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم؟ فزعمت بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل.
وقال تبارك وتعالى إخبارا عن المترفين المكذبين : (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) أي افتخروا بكثرة الأموال والأولاد ، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله تعالى لهم واعتنائه بهم ، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا ثم يعذبهم في الآخرة وهيهات لهم ذلك قال الله تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون : ٥٥ ـ ٥٦] وقال تبارك وتعالى : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) [التوبة : ٥٥] وقال عزوجل (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) [المدثر : ١١ ـ ١٧].
وقد أخبر الله عزوجل عن صاحب تينك الجنتين أنه كان ذا مال وثمر وولد ، ثم لم يغن عنه شيئا بل سلب ذلك كله في الدنيا قبل الآخرة ، ولهذا قال عزوجل ها هنا : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يعطي المال لمن يحب ومن لا يحب ، فيفقر من يشاء ويغني من يشاء ، وله الحكمة التامة البالغة والحجة القاطعة الدامغة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
ثم قال تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) أي ليست هذه دليلا على محبتنا لكم ولا اعتنائنا بكم. قال الإمام أحمد (١) رحمهالله : حدثنا كثير ، حدثنا جعفر ، حدثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (٢) ورواه مسلم وابن ماجة من حديث كثير بن هشام عن جعفر بن برقان به ، ولهذا قال الله تعالى : (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ
__________________
(١) المسند ٢ / ٥٣٩.
(٢) أخرجه مسلم في البر حديث ٣٣ ، وابن ماجة في الزهد باب ٩.