رحمهالله. وقال مجاهد (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) من هذه الدنيا من مال وزهرة وأهل ، وروي نحوه عن ابن عمر وابن عباس والربيع بن أنس رضي الله عنهم ، وهو قول البخاري وجماعه ، والصحيح أنه لا منافاة بين القولين ، فإنه قد حيل بينهم وبين شهواتهم في الدنيا وبين ما طلبوه في الآخرة فمنعوا منه.
وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا أثرا غريبا عجيبا جدا فنذكره بطوله ، فإنه قال : حدثنا محمد بن يحيى حدثنا بشر بن حجر السامي ، حدثنا علي بن منصور الأنباري عن الشرقي بن قطامي عن سعد بن طريف عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عزوجل : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) إلى آخر الآية ، قال : كان رجل من بني إسرائيل فاتحا أي فتح الله تعالى له مالا ، فمات فورثه ابن له تافه أي فاسد ، فكان يعمل في مال الله تعالى بمعاصي الله تعالى عزوجل ، فلما رأى ذلك أخوات أبيه ، أتوا الفتى فعذلوه ولاموه ، فضجر الفتى فباع عقاره بصامت (١) ، ثم رحل فأتى عينا ثجاجة (٢) فسرح فيها ماله وابتنى قصرا ، فبينما هو ذات يوم جالس إذ حملت عليه ريح بامرأة من أحسن الناس وجها وأطيبهم أرجا ، أي ريحا ، فقالت : من أنت يا عبد الله؟ فقال : أنا امرؤ من بني إسرائيل ، قالت : فلك هذا القصر وهذا المال؟ فقال :
نعم. قالت : فهل لك من زوجة؟ قال : لا.
قالت : فكيف يهنيك العيش ولا زوجة لك؟ قال : قد كان ذاك ، قال : فهل لك من بعل؟ قالت : لا ، قال : فهل لك إلا أن أتزوجك؟ قالت : إني امرأة منك على مسيرة ميل ، فإذا كان الغد فتزود زاد يوم وائتني ، وإن رأيت في طريقك هولا فلا يهولنك ، فلما كان من الغد تزود زاد يوم وانطلق ، فانتهى إلى قصر فقرع رتاجه (٣) ، فخرج إليه شاب من أحسن الناس وجها وأطيبهم أرجا ، أي ريحا ، فقال : من أنت يا عبد الله؟ فقال : أنا الإسرائيلي ، قال : فما حاجتك؟ قال : دعتني صاحبة القصر إلى نفسها ، قال : صدقت ، قال : فهل رأيت في الطريق هولا؟ قال : نعم ولو لا أنها أخبرتني أن لا بأس علي لهالني الذي رأيت ، قال : ما رأيت؟ قال : أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بكلبة فاتحة فاها ، ففزعت فوثبت فإذا أنا من ورائها ، وإذا جراؤها ينبحن في بطنها ، فقال له الشاب : لست تدرك هذا ، هذا يكون في آخر الزمان يقاعد الغلام المشيخة في مجلسهم ويسرهم حديثه.
قال : ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بمائة عنز حفّل (٤) ، وإذا فيها جدي يمصها ، فإذا أتى عليها وظن أنه لم يترك شيئا فتح فاه يلتمس الزيادة ، فقال : لست تدرك هذا ، هذا يكون
__________________
(١) الصامت : أي الذهب والفضة ، خلاف الناطق وهو الحيوان.
(٢) عين ثجاجة : أي عين يسيل عنها الماء سيلا.
(٣) الرتاج : الباب العظيم.
(٤) عنز حفّل : أي كثيرة اللبن.