وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ) أي كذلك الحيوانات من الأناسي ، والدواب ، وهو كل ما دب على القوائم ، والأنعام ، من باب عطف الخاص على العام كذلك هي مختلفة أيضا ، فالناس منهم بربر وحبوش وطماطم في غاية السواد وصقالبة وروم في غاية البياض ، والعرب بين ذلك والهنود دون ذلك ، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى : (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) [الروم : ٢٢] وكذلك الدواب والأنعام مختلفة الألوان حتى في الجنس الواحد بل النوع الواحد منهن مختلف الألوان ، بل الحيوان الواحد يكون أبلق فيه من هذا اللون وهذا اللون ، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا الفضل بن سهل ، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان بن صالح ، حدثنا زياد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : أيصبغ ربك؟ قال صلىاللهعليهوسلم : «نعم صبغا لا ينفض أحمر وأصفر وأبيض» وروي مرسلا وموقوفا ، والله أعلم. ولهذا قال تعالى بعد هذا : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به ، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى ، كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم وأكثر.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) قال : الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير (١) وقال ابن لهيعة عن ابن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس قال : العالم بالرحمن من عباده من لم يشرك به شيئا ، وأحل حلاله وحرم حرامه ، وحفظ وصيته وأيقن أنه ملاقيه ومحاسب بعمله. وقال سعيد بن جبير : الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عزوجل. وقال الحسن البصري : العالم من خشي الرحمن بالغيب ، ورغب فيما رغب الله فيه ، وزهد فيما سخط الله فيه ، ثم تلا الحسن (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ليس العلم عن كثرة الحديث ، ولكن العلم عن كثرة الخشية. وقال أحمد بن صالح المصري عن ابن وهب عن مالك قال : إن العلم ليس بكثرة الرواية ، وإما العلم نور يجعله الله في القلب. قال أحمد بن صالح المصري : معناه أن الخشية ، لا تدرك بكثرة الرواية ، وإنما العلم الذي فرض الله عزوجل أن يتبع ، فإنما هو الكتاب والسنة وما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من أئمة المسلمين ، فهذا ، لا يدرك إلا بالرواية ، ويكون تأويل قوله : نور يريد به فهم العلم ومعرفة معانيه. وقال سفيان الثوري عن
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ١٠ / ٤٠٩.