يقول تعالى : ثم جعلنا القائمين بالكتاب العظيم المصدق لما بين يديه من الكتب الذين اصطفينا من عبادنا وهم هذه الأمة ، ثم قسمهم إلى ثلاثة أنواع ، فقال تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) وهو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو المؤدي للواجبات ، التارك للمحرمات ، وقد يترك بعض المستحبات ويفعل بعض المكروهات ، (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) وهو الفاعل للواجبات والمستحبات ، التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) قال : هم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ورثهم الله تعالى كل كتاب أنزله ، فظالمهم يغفر له ، ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا ، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب (١).
وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح وعبد الرحمن بن معاوية العتبي قالا : حدثنا أبو الطاهر بن السرح ، حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني. حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال ذات يوم : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي». قال ابن عباس رضي الله عنهما : «السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب ، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله ، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وكذا روي عن غير واحد من السلف أن الظالم لنفسه من هذه الأمة من المصطفين على ما فيه من عوج وتقصير. وقال آخرون : بل الظالم لنفسه ليس من هذه الأمة ولا من المصطفين الوارثين للكتاب.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق ، حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس رضي الله عنهما فمنهم ظالم لنفسه قال هو الكافر وكذا روى عنه عكرمة ، وبه قال عكرمة أيضا فيما رواه ابن جرير. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) قال : هم أصحاب المشأمة. وقال مالك عن زيد بن أسلم والحسن وقتادة : هو المنافق ، ثم قد قال ابن عباس والحسن وقتادة : وهذه الأقسام الثلاثة كالأقسام الثلاثة المذكورة في أول سورة الواقعة وآخرها ، والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة ، وهذا اختيار ابن جرير ، كما هو ظاهر الآية ، وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من طرق يشد بعضها بعضا ونحن إن شاء الله تعالى نورد منها ما تيسر.
[الحديث الأول] قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن الوليد بن العيزار أنه سمع رجلا من ثقيف يحدث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد الخدري رضي الله
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ١٠ / ٤١١.
(٢) المسند ٣ / ٧٨.